فلما كانت الليلة ٤٨٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن حاسب كريم الدين لما وصل إلى التل وجده من الزبرجد الأخضر، وعليه تخت منصوب من الذهب، مرصَّع بأنواع الجواهر، وحول ذلك التخت كراسيُّ منصوبة، بعضها من الذهب وبعضها من الفضة، وبعضها من الزمرد الأخضر، فلما أتى إلى تلك الكراسي تنهَّدَ، ثم عدَّها فرآها اثني عشر ألف كرسي، فطلع على ذلك التخت المنصوب في وسط تلك الكراسي، وقعد عليه، وصار يتعجَّب من تلك البحيرة، وتلك الكراسي المنصوبة، ولم يزل متعجبًا حتى غلب عليه النوم، فنام ساعة، وإذا هو يسمع نفخًا وصفيرًا، وهرجًا عظيمًا، ففتح عينَيْه وقعد، فرأى على الكراسي حيَّات عظيمة، طول كلٍّ منها مائة ذراع، فحصل له من ذلك فزع عظيم، ونشف ريقه من شدة خوفه، ويئس من الحياة، وخاف خوفًا عظيمًا، ورأى عين كل حية تتوقَّد مثل الجمر، وهن فوق الكراسي، والتفت إلى البحيرة، فرأى فيها حياتٍ صغارًا، لا يعلم عددُها إلا الله تعالى، وبعد ساعة أقبلَتْ عليه حية عظيمة مثل البغل، وعلى ظهر تلك الحية طبق من الذهب، وفي وسط ذلك الطبق حية تضيء مثل البلور، ووجهها وجه إنسان، وهي تتكلَّم بلسانٍ فصيح، فلما قربت من حاسب كريم الدين سلَّمَتْ عليه، فردَّ عليها السلام، ثم أقبلَتْ حية من تلك الحيات التي فوق الكراسي، ثم إن تلك الحية زعقت على تلك الحيات بلُغَاتها، فخَرَّتْ جميع الحيات من فوق كراسيها، ودعَيْنَ لها، وأشارت إليهن بالجلوس فجلسن، ثم إن الحية قالت لحاسب كريم الدين: لا تَخَفْ منَّا أيها الشاب؛ فإني أنا ملكة الحيات وسلطانتهن.
فلما سمع حاسب كريم الدين ذلك الكلام من الحية اطمأنَّ قلبه، ثم إن الحية أشارَتْ إلى تلك الحيات أن يأتوا بشيء من الأكل، فأتوا بتفاح وعنب ورمان، وفستق وبندق وجوز ولوز وموز، وحطوه قدام حاسب كريم الدين، ثم قالت له ملكة الحيات: مرحبًا بك يا شاب، ما اسمك؟ فقال لها: اسمي حاسب كريم الدين. فقالت له: يا حاسب، كُلْ من هذه الفواكه، فما عندنا طعام غيرها، ولا تَخَفْ منَّا أبدًا. فلما سمع حاسب هذا الكلام من الحية، أكل حتى اكتفى، وحمد الله تعالى، فلما اكتفى من الأكل رفعوا السماط من قدَّامه، ثم بعد ذلك قالت له ملكة الحيات: أخبرني يا حاسب مِن أين أنت؟ ومِن أين أتيتَ إلى هذا المكان؟ وما جرى لك؟ فحكى لها حاسب ما جرى لأبيه، وكيف ولدَتْه أمه، وحطته في المكتب، وهو ابن خمس سنين، ولم يتعلَّم شيئًا من العلم، وكيف حطته في الصنعة، وكيف اشترَتْ أمه له الحمار، وصار حطَّابًا، وكيف لقي جبَّ العسل، وكيف تركه رفقاؤه الحطَّابون في الجب وراحوا، وكيف نزل عليه العقرب وقتله، وكيف وسَّعَ الشق الذي نزل منه العقرب، وطلع من الجب، وأتى إلى الباب الحديد وفتحه حتى وصل إلى ملكة الحيات التي يكلِّمها، ثم قال لها: وهذه حكايتي من أولها إلى آخِرها، والله أعلم بما يحصل لي بعد هذا كله. فلما سمعت ملكة الحيات حكايةَ حاسب كريم الدين من أولها إلى آخِرها، قالت له: ما يحصل لك إلا كلُّ خير. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.