فلما كانت الليلة ٤٨٧
حكاية مغامرات بلوقيا
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن بلوقيا لما رأى الحيات يسبِّحون ويهلِّلون، تعجَّبَ من ذلك غاية العجب، ثم إن الحيات لما رأت بلوقيا اجتمعت عليه، وقالت له حية منهم: مَن تكون أنت؟ ومن أين أتيتَ؟ وما اسمك؟ وإلى أين رائح؟ فقال لها: اسمي بلوقيا، وأنا من بني إسرائيل، وخرجتُ هائمًا في حبِّ محمد ﷺ وفي طلبه، فمَن تكونون أنتم أيها الخليقة الشريفة؟ فقالت له الحيات: نحن من سكَّان جهنم، وقد خلقنا الله تعالى نقمة على الكافرين. فقال لهم بلوقيا: وما الذي جاء بكم إلى هذا المكان؟ فقالت له الحيات: اعلم يا بلوقيا أن جهنم من كثرة غليانها تتنفس في السنة مرتين: مرة في الشتاء، ومرة في الصيف، واعلم أن كثرة الحر من شدة فيحها، ولما تخرج نفسها ترمينا من بطنها، ولما تسحب نفسها تردُّنا إليها. فقال لهم بلوقيا: هل في جهنم أكبر منكم؟ فقالت له الحيات: إننا ما نخرج مع تنفُّسها إلا لصِغَرِنا، فإن في جنهم كل حية لو عبر أكبرُ ما فينا إلى أنفها لم تحس به. فقال لهم بلوقيا: أنتم تذكرون الله، وتصلون على محمد، ومن أين تعرفون محمدًا ﷺ؟ فقالوا يا بلوقيا: إن اسم محمد مكتوب على باب الجنة، ولولاه ما خلق الله المخلوقات، ولا جنةً ولا نارًا، ولا سماءً ولا أرضًا؛ لأن الله لم يخلق جميع الموجودات إلا من أجل محمد ﷺ، وقرن اسمه باسمه في كل مكان، ولأجل هذا نحن نحبُّ محمدًا ﷺ.
فلما سمع بلوقيا هذا الكلام من الحيات زاد غرامه في حب محمد ﷺ، وعظم اشتياقه إليه، ثم إن بلوقيا ودَّعَهم وسار حتى وصل إلى شاطئ البحر، فرأى مركبًا راسية في جنب الجزيرة، فنزل فيها مع ركَّابها، وسارت بهم، وما زالوا سائرين حتى وصلوا إلى جزيرة أخرى، فطلع عليها وتمشَّى ساعة، فرأى فيها حيات كبارًا وصغارًا لا يعلم عددها إلا الله تعالى، وبينهم حية بيضاء أبيض من البلور، وهي جالسة في طبق من الذهب، وذلك الطبق على ظهر حية مثل الفيل، وتلك الحية ملكة الحيات، وهي أنا يا حاسب.
ثم إن حاسبًا سأل ملكة الحيات، وقال لها: أي شيء جوابك مع بلوقيا؟ فقالت الحية: يا حاسب، اعلم أني لما نظرت إلى بلوقيا سلَّمْتُ عليه، فردَّ عليَّ السلام، وقلت له: مَن أنت؟ وما شأنك؟ ومن أين أقبلتَ؟ وإلى أين تذهب؟ وما اسمك؟ فقال: أنا من بني إسرائيل، واسمي بلوقيا، وأنا سائح في حب محمد ﷺ وفي طلبه، فإني رأيت صفاته في الكتب المنزلة. ثم إن بلوقيا سألني، وقال لي: أي شيء أنت؟ وما شأنك؟ وما هذه الحيات التي حولك؟ فقلتُ له: يا بلوقيا، أنا ملكة الحيات، وإذا اجتمعتَ بمحمد ﷺ فأقرِئْه مني السلام. ثم إن بلوقيا ودَّعَني، ونزل في المركب حتى وصل إلى بيت المقدس، وكان في بيت المقدس رجلٌ تمكَّنَ من جميع العلوم، وكان متقنًا في علم الهندسة وعلم الفلك والحساب والسيمياء والروحاني، وكان يقرأ التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم، وكان يقال له عفان، وقد وجد في كتاب عنده أن كلَّ مَن لبس خاتم سيدنا سليمان انقادَتْ له الإنس والجن والطير والوحش وجميع المخلوقات، ورأى في بعض الكتب أنه لما توفي سيدنا سليمان، حطوه في تابوت، وعدوا به سبعة أبحر، وكان الخاتم في أصبعه، ولا يقدر أحد من الإنس، ولا من الجن أن يأخذ ذلك الخاتم، ولا يقدر أحد من أصحاب المراكب أن يروح بمركب إلى ذلك المكان. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.