فلما كانت الليلة ٤٨٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن عفانًا وجد في بعض الكتب أنه لا يقدر أحدٌ من الإنس ولا من الجن أن يأخذ الخاتم من أصبع سيدنا سليمان، ولا يقدر أحد من أصحاب المراكب أن يسافر بمركبه في السبعة أبحر التي عدُّوها بتابوته، ووجد في بعض الكتب أيضًا أن بين الأعشاب عشبًا، كلُّ مَن أخذ منه شيئًا وعصره وأخذ ماءَه، ودهن به قدمَيْه، فإنه يمشي على أي بحر خلقه الله تعالى، ولا تبتلُّ قدماه، ولا يقدر أحد على تحصيل ذلك العشب إلا إذا كانت معه ملكة الحيات.
ثم إن بلوقيا لما دخل بيت المقدس جلس في مكان يعبد الله تعالى، فبينما هو جالس يعبد الله إذ أقبل عليه عفان، وسلَّم عليه، فردَّ عليه السلام، ثم إن عفانًا نظر إلى بلوقيا فرآه يقرأ في التوراة وهو جالس يعبد الله تعالى، فتقدَّمَ إليه وقال له: أيها الرجل، ما اسمك؟ ومن أين أتيتَ؟ وإلى أين تذهب؟ فقال له: اسمي بلوقيا، وأنا من مدينة مصر، خرجتُ سائحًا في طلب محمد ﷺ. فقال عفان لبلوقيا: قُمْ معي إلى منزلي حتى أضيفك. فقال: سمعًا وطاعة. فأخذ عفان بيد بلوقيا، وذهب به إلى منزله، وأكرَمَه غاية الإكرام، وبعد ذلك قال له: أخبرني يا أخي بخبرك، ومَن أين عرفتَ محمدًا ﷺ حتى تعلَّقَ قلبُك بحبه، وذهبْتَ في طلبه، ومَن دلَّكَ على هذا الطريق؟ فحكى له بلوقيا حكايته من الأول إلى الآخِر، فلما سمع عفان كلامَه كاد أن يذهب عقله، وتعجَّبَ من ذلك غاية العجب، ثم إن عفانًا قال لبلوقيا: اجمعني على ملكة الحيات، وأنا أجمعك على محمد ﷺ؛ لأن زمان مبعث محمد ﷺ بعيد، وإذا ظفرنا بملكة الحيات نحطها في قفص ونروح بها إلى الأعشاب التي في الجبال، وكل عشب جزنا عليه، وهي معنا ينطق ويخبر بمنفعته بقدرة الله تعالى، فإني قد وجدتُ عندي في الكتب أن في الأعشاب عشبًا، كلُّ مَن أخذه ودَقَّه، وأخذ ماءه ودهن به قدمَيْه، ومشى على أي بحر خلقه الله تعالى لم تبتلَّ له قدم، فإذا أخذنا ملكة الحيات تدلنا على ذلك العشب، وإذا وجدناه نأخذه وندقُّه، ونأخذ ماءه، ثم نطلقها إلى حال سبيلها، وندهن بذلك الماء أقدامنا، ونعدِّي السبعة أبحر، ونصل إلى مدفن سيدنا سليمان، ونأخذ الخاتم من أصبعه، ونحكم كما حكم سيدنا سيلمان، ونصل إلى مقصودنا، وبعد ذلك ندخل بحر الظلمات، فنشرب من ماء الحياة، فيمهلنا الله إلى آخِر الزمان، ونجتمع بمحمد ﷺ.
فلما سمع بلوقيا هذا الكلام من عفان قال له: يا عفان، أنا أجمعك بملكة الحيات، وأُرِيك مكانها. فقام عفان وصنع له قفصًا من حديد، وأخذ معه قدحين، وملأ أحدهما خمرًا، وملأ الآخَر لبنًا، وسار عفان هو وبلوقيا أيامًا وليالي حتى وصلَا إلى الجزيرة التي فيها ملكة الحيات، فطلع عفان وبلوقيا إلى الجزيرة، وتمشَّيَا فيها، وبعد ذلك وضع عفان القفص، ونصب فيه فخًّا، ووضع فيه القدحين المملوءين خمرًا ولبنًا، ثم تباعَدَا عن القفص، واستخفيَا ساعة، فأقبلت ملكة الحيات على القفص حتى قربت من القدحين، فتأمَّلَتْ فيهما ساعة، فلما شمت رائحة اللبن نزلت من فوق ظهر الحية التي هي فوقها، وطلعت من الطبق، ودخلت القفص، وأتت إلى القدح الذي فيه الخمر وشربت منه، فلما شربت من ذلك القدح داخت رأسها ونامت؛ فلما رأى ذلك عفان تقدَّمَ إلى القفص وقفله على ملكة الحيات، ثم أخذها هو وبلوقيا وسارَا، فلما أفاقت رأت روحها في قفص من حديد، والقفص على رأس رجل وبجانبه بلوقيا، فلما رأت ملكة الحيات بلوقيا قالت له: هذا جزاء مَن لا يؤذي بني آدم. فردَّ عليها بلوقيا وقال لها: لا تخافي منَّا يا ملكة الحيات، فإنَّا لا نؤذيك أبدًا، ولكن نريد منك أن تدلِّينا على عشب بين الأعشاب، كلُّ مَن أخذه ودقَّه، واستخرج ماءه، ودهن به قدمَيْه، ومشى على أي بحر خلقه الله تعالى لا تبتلُّ قدماه، فإذا وجدنا ذلك العشب أخذناه، ونرجع بك إلى مكانك، ونطلقك إلى حال سبيلك.
ثم إن عفانًا وبلوقيا سارَا بملكة الحيات نحو الجبال التي فيها الأعشاب، ودارَا بها على جميع الأعشاب، فصار كل عشب ينطق ويخبر بمنفعته بإذن الله تعالى، فبينما هما في هذا الأمر، والأعشاب تنطق يمينًا وشمالًا، وتخبر بمنافعها، وإذا بعشب نطق وقال: أنا العشب الذي كلُّ مَن أخذني ودقَّني، وأخذ مائي، ودهن به قدمَيْه، وجاز على أي بحر خلقه الله تعالى لم تبتلَّ قدماه. فلما سمع عفان كلام العشب حطَّ القفص من فوق رأسه، وأخذَا من ذلك العشب ما يكفيهما، ودقَّاه وعصرَاه، وأخذَا ماءه، وجعلاه في قزازتين وحفظاهما، والذي فضل منهما دهَنَا به أقدامهما، ثم إن بلوقيا وعفانًا أخذَا ملكة الحيات، وسارَا بها ليالي وأيامًا حتى وصلَا إلى الجزيرة التي كانت فيها، ففتح عفان باب القفص، وخرجت منه ملكة الحيات، فلما خرجت قالت لهما: فما تصنعان بهذا الماء؟ فقالَا لها: مرادنا أن ندهن به أقدامنا حتى نتجاوز السبعة أبحر، ونصل إلى مدفن سيدنا سليمان، ونأخذ الخاتم من أصبعه. فقالت لهما ملكة الحيات: هيهات أن تقدرَا على أخذ الخاتم. فقالا لها: لأي شيء؟ فقالت لهما: لأن الله تعالى مَنَّ على سليمان بإعطائه ذلك الخاتم، وخصَّه بذلك؛ لأنه قال: رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ، فما لكما ولذلك الخاتم؟ ثم قالت لهما: لو أخذتما من العشب الذي كلُّ مَن أكل منه لا يموت إلى النفخة الأولى، وهو بين تلك الأعشاب، لَكان أنفع لكما من هذا الذي أخذتماه، فإنه لا يحصل لكما منه مقصودكما. فلما سمعَا كلامَهما ندمَا ندمًا عظيمًا، وسارَا إلى حال سبيلهما. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.