فلما كانت الليلة ٤٨٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن بلوقيا وعفانًا لما سمعَا كلام ملكة الحيات ندمَا ندمًا عظيمًا، وسارَا إلى حال سبيلهما. هذا ما كان من أمرهما، وأما ما كان من أمر ملكة الحيات، فإنها أتت إلى عساكرها، فرأتهم قد ضاعت مصالحهم، وضعف قويُّهم، وضعيفهم مات؛ فلما رأى الحيات ملكتهم بينهم فرحوا، والتمُّوا حولها، وقالوا لها: ما خبركِ؟ وأين كنتِ؟ فحكَتْ لهم جميع ما جرى لها مع عفان وبلوقيا، ثم بعد ذلك جمعت جنودها، وتوجَّهَتْ بهم إلى جبل قاف؛ لأنها كانت تشتِّي فيه، وتصيِّف في المكان الذي رآها فيه حاسب كريم الدين. ثم إن الحية قالت: يا حاسب، هذه حكايتي، وما جرى لي. فتعجَّبَ حاسب من كلام الحية، ثم قال لها: أريد من فضلك أن تأمري أحدًا من أعوانك أن يُخرِجني إلى وجه الأرض، وأروح إلى أهلي. فقالت له ملكة الحيات: يا حاسب، ليس لك رواح من عندنا حتى يدخل الشتاء، وتروح معنا إلى جبل قاف، وتتفرج فيه على تلال ورمل وأشجار، وأطيار تسبح الواحد القهَّار، وتتفرج على مَرَدَة عفاريت وجان ما يعلم عددها إلا الله تعالى.
فلما سمع حاسب كريم الدين كلامَ ملكة الحيات صار مهمومًا مغمومًا، ثم قال لها: أعلميني بعفان وبلوقيا، لمَّا فارقَاكِ وسارَا، هل عدَّيَا السبعة بحور، ووصلَا إلى مدفن سيدنا سليمان أم لا؟ وإذا كان وصلَا إلى مدفن سيدنا سليمان، فهل قدرَا على أخذ الخاتم أم لا؟ فقالت له: اعلم أن عفانًا وبلوقيا لما فارقاني وسارَا، دهنَا أقدامهما من ذلك الماء، ومشيا على وجه البحر، وصارَا يتفرجان على عجائب البحر، وما زالا سائرين من بحر إلى بحر حتى عديَا السبعة أبحر، فلما عديَا تلك البحار وجدَا جبلًا عظيمًا شاهقًا في الهواء، وهو من الزمرد الأخضر، وفيه عين تجري، وترابه كله من المسك، فلما وصلَا إلى ذلك المكان فرحَا، وقالا: قد بلغنا مقصودنا. ثم سارَا حتى وصلَا إلى جبلٍ عال، فمشيَا فيه، فرأيَا مغارةً من بعيد في ذلك الجبل وعليها قبة عظيمة، والنور يلوح منها، فلما رأيَا تلك المغارة قصداها حتى وصلا إليها، فدخلا فرأيا فيها تختًا منصوبًا من الذهب مرصعًا بأنواع الجواهر، وحوله كراسي منصوبة لا يحصي لها عددًا إلا الله تعالى، ورأيَا السيد سليمان نائمًا فوق ذلك التخت، وعليه حلة من الحرير الأخضر مزركشة بالذهب، مرصَّعة بنفيس المعادن من الجواهر، ويده اليمنى على صدره، والخاتم في أصبعه، ونور الخاتم يغلب على نور تلك الجواهر التي في ذلك المكان. ثم إن عفانًا علَّمَ بلوقيا أقسامًا وعزائم، وقال له: اقرأ هذه الأقسام، ولا تترك قراءتها حتى آخذ الخاتم. ثم تقدَّمَ عفان إلى التخت حتى قرب منه، وإذا بحيةٍ عظيمة طلعت من تحت التخت، وزعقت زعقة عظيمة، فارتعد ذلك المكان من زعقتها، وصار الشرر يطير من فمها، ثم إن الحية قالت لعفان: إن لم ترجع هلكتَ. فاشتغل عفان بالأقسام، ولم ينزعج من تلك الحية، فنفخت عليه الحية نفخة عظيمة كادت أن تُحرِق ذلك المكان، وقالت: ويلك إن لم ترجع أحرقتُك. فلما سمع بلوقيا هذا الكلام من الحية طلع من المغارة، وأما عفان فإنه لم ينزعج من ذلك، بل تقدَّمَ إلى السيد سليمان، ومدَّ يده ولمس الخاتم، وأراد أن يسحبه من أصبع السيد سليمان، وإذا بالحية نفخت على عفان فأحرقته، فصار كومَ رمادٍ.
هذا ما كان من أمره، وأما ما كان من أمر بلوقيا، فإنه وقع مغشيًّا عليه من هذا الأمر. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.