فلما كانت الليلة ٤٩٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن بلوقيا لما رأى هؤلاء الناس بأيديهم السلاح وهم في قتال عظيم، أخذه خوف شديد، وتحيَّرَ في أمره، فبينما هو كذلك وإذا هم رأوه، فلما رأوه امتنعوا عن بعضهم، وتركوا الحرب، ثم أتت إليه طائفة منهم، فلما قربوا منه تعجَّبوا من خلقته، ثم تقدَّمَ إليه فارس منهم، وقال له: أي شيء أنت؟ ومن أين أتيتَ؟ وإلى أين رائح؟ ومَن دلَّكَ على هذه الطريق حتى وصلت إلى بلادنا؟ فقال له: أنا من بني آدم، وجئتُ هائمًا في حبِّ محمد ﷺ، ولكني تهتُ عن الطريق. فقال له الفارس: نحن ما رأينا ابن آدم قطُّ، ولا أتى إلى هذه الأرض. وصاروا يتعجبون منه، ومن كلامه، ثم إن بلوقيا سألهم وقال لهم: أي شيء أنتم أيها الخليقة؟ فقال له الفارس: نحن من الجان. فقال له بلوقيا: يا أيها الفارس، ما سبب القتال الذي بينكم؟ وأين مسكنكم؟ وما اسم هذا الوادي وهذه الأراضي؟ فقال له الفارس: نحن مسكننا الأرض البيضاء، وفي كل عام يأمرنا الله تعالى أن نأتي إلى هذه الأرض، ونغازي الجان الكافرين. فقال له بلوقيا: وأين الأرض البيضاء؟ فقال له الفارس: خلف جبل قاف بمسيرة خمسة وسبعين سنة، وهذه الأرض يقال لها أرض شداد بن عاد، ونحن أتينا إليها لنغازي فيها، وما لنا شغل سوى التسبيح والتقديس، ولنا مَلِك يقال له الملك صخر، وما يمكن إلا أن تروح معنا إليه حتى ينظرك ويتفرَّج عليك.
ثم إنهم ساروا وبلوقيا معهم حتى أتوا منزلهم، فنظر بلوقيا خيامًا عظيمة من الحرير الأخضر لا يعلم عددها إلا الله تعالى، ورأى بينها خيمة منصوبة من الحرير الأحمر، واتساعها مقدار ألف ذراع، وأطنابها من الحرير الأزرق، وأوتادها من الذهب والفضة، فتعجَّبَ بلوقيا من تلك الخيمة، ثم إنهم ساروا به حتى أقبلوا على الخيمة، فإذا هي خيمة الملك صخر، ثم دخلوا به حتى أتوا قدام الملك صخر، فنظر بلوقيا إلى الملك فرآه جالسًا على تخت عظيم من الذهب الأحمر، مرصَّع بالدر والجوهر، وعلى يمينه ملوك الجان، وعلى يساره الحكماء والأمراء وأرباب الدولة وغيرهم، فلما رآه الملك صخر أمر أن يدخلوا به عنده، فدخلوا به عند الملك، فتقدَّمَ بلوقيا وسلَّمَ عليه وقبَّلَ الأرض بين يديه، فردَّ عليه الملك صخر السلام، ثم قال له: ادنُ مني أيها الرجل. فدنا منه بلوقيا حتى صار بين يديه، فعند ذلك أمر الملك صخر أن ينصبوا له كرسيًّا بجانبه، فنصبوا له كرسيًّا بجانب الملك، ثم أمره الملك صخر أن يجلس على ذلك الكرسي، فجلس بلوقيا عليه. ثم إن الملك صخر سأل بلوقيا وقال له: أي شيء أنت؟ فقال له: أنا من بني آدم من بني إسرائيل. فقال له الملك صخر: احكِ لي حكايتك، وأخبرني بما جرى لك، وكيف أتيتَ إلى هذه الأرض؟ فحكى له بلوقيا جميع ما جرى له في سياحته من الأول إلى الآخِر، فتعجَّبَ الملك صخر من كلامه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.