فلما كانت الليلة ٤٩٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن بلوقيا لما أخبر الملك صخر بجميع ما جرى له في سياحته من الأول إلى الآخِر، تعجَّبَ من ذلك، ثم أمر الفراشين أن يأتوا بسماط، فأتوا بسماط ومدوه، ثم إنهم أتوا بصوانٍ من الذهب الأحمر، وصوانٍ من الفضة، وصوانٍ من النحاس، وبعض الصواني فيها خمسون مسلاقة، وبعضها فيها عشرون جملًا، وبعضها فيها خمسون رأسًا من الغنم، وعدد الصواني ألف وخمسمائة صينية؛ فلما رأى بلوقيا ذلك تعجَّبَ غاية العجب، ثم إنهم أكلوا، وأكل بلوقيا معهم حتى اكتفى، وحمد الله تعالى، وبعد ذلك رفعوا الطعام، وأتوا بفواكه فأكلوا، ثم بعد ذلك سبَّحوا الله تعالى، وصلُّوا على نبيه محمد ﷺ، فلما سمع بلوقيا ذِكْرَ محمد تعجَّبَ، وقال للملك صخر: أريد أن أسألك بعض مسائل. فقال له الملك صخر: سَلْ ما تريد. فقال له بلوقيا: يا ملك، أي شيء أنتم؟ ومن أين أصلكم؟ ومن أين تعرفون محمدًا ﷺ حتى تصلون عليه وتحبوه؟ فقال له الملك صخر: يا بلوقيا، إن الله تعالى خلق النار سبع طبقات بعضها فوق بعض، وبين كل طبقة وطبقة مسيرة ألف عام، وجعل اسم الطبقة الأولى جهنم، وأعَدَّها لعصاة المؤمنين الذين يموتون من غير توبة، واسم الطبقة الثانية لظًى، وأعَدَّها للكفار، واسم الطبقة الثالثة الجحيم، وأعَدَّها ليأجوج ومأجوج، واسم الرابعة السعير، وأعَدَّها لقوم إبليس، واسم الخامسة سقر، وأعَدَّها لتارك الصلاة، واسم السادسة الحطمة، وأعَدَّها لليهود والنصارى، واسم السابعة الهاوية، وأعَدَّها للمنافقين؛ فهذه السبع طبقات. فقال له بلوقيا: لعل جهنم أهون عذابًا من الجميع؛ لأنها هي الطبقة الفوقانية. قال الملك صخر: نعم، هي أهون الجميع عذابًا، ومع ذلك فيها ألف جبل من النار، وفي كل جبل سبعون ألف وادٍ من النار، وفي كل وادٍ سبعون ألف مدينة من النار، وفي كل مدينة سبعون ألف قلعة من النار، وفي كل قلعة سبعون ألف بيت من النار، وفي كل بيت سبعون ألف تخت من النار، وفي كل تخت سبعون ألف نوع من العذاب، وما في جميع طبقات النار يا بلوقيا أهون عذابًا من عذابها؛ لأنها هي الطبقة الأولى، وأما الباقي فلا يعلم عددها فيه من أنواع العذاب إلا الله تعالى.
فلما سمع بلوقيا هذا الكلام من الملك صخر وقع مغشيًّا عليه، فلما أفاق من غشيته بكى وقال: يا ملك، كيف يكون حالنا؟ فقال له الملك صخر: يا بلوقيا، لا تَخَفْ، واعلم أن كلَّ مَن كان يحب محمدًا لم تحرقه النار، وهو معتوق لأجل محمد ﷺ، وكل مَن كان على مِلَّته تهرب منه النار، وأما نحن فخلقنا الله تعالى من النار، وأول ما خلق الله المخلوقات في جهنم خلق شخصين من جنوده؛ أحدهما اسمه خليت، والآخَر اسمه مليت، وجعل خليت على صورة أسد، ومليت على صورة ذئب، وكان ذنب مليت على صورة الأنثى، ولونها أبلق، وذنب خليت على صورة ذكر وهو في هيئة حية، وذنب مليت في هيئة سلحفاة، وطول ذنب خليت مسيرة عشرين سنة، ثم أمر الله تعالى ذنبَيْهما أن يجتمعا مع بعضهما، ويتناكَحَا، فتوالَدَ منهما حيات وعقارب ومسكنها في النار ليعذِّب الله بها مَن يدخلها، ثم إن تلك الحيات والعقارب تناسلوا وتكاثروا، ثم بعد ذلك أمر الله تعالى ذنبَيْ خليت ومليت أن يجتمعَا ويتناكَحَا ثاني مرة، فاجتمعَا وتناكَحَا، فحمل ذنب مليت من ذنب خليت، فلما وضعت ولدت سبعة ذكور، وسبع إناث، فتربوا حتى كبروا، فلما كبروا تزوَّجَ الإناث بالذكور، وأطاعوا والدهم إلا واحدًا منهم عصى والده، فصار دودةً، وتلك الدودة هي إبليس لعنه الله تعالى، وكان من المقربين، فإنه عبَدَ اللهَ تعالى حتى ارتفع إلى السماء، وتقرَّبَ من الرحمن، وصار رئيس المقرَّبين. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.