فلما كانت الليلة ٤٩٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن إبليس كان عبد الله تعالى، وصار رئيس المقربين، ولما خلق الله تعالى آدم عليه السلام أمر إبليس بالسجود له، فامتنع من ذلك، فطرده الله تعالى ولعنه، فلما تناسَلَ جاءت منه الشياطين، وأما الستة ذكور الذين قبلهم فهم الجان المؤمنون، ونحن من نسلهم، وهذا أصلنا يا بلوقيا. فتعجَّبَ بلوقيا من كلام الملك صخر، ثم إنه قال: يا ملك، أريد منك أن تأمر واحدًا من أعوانك ليوصلني إلى بلادي. فقال له الملك صخر: ما نقدر أن نفعل شيئًا من ذلك إلا إنْ أمرنا الله تعالى، ولكن يا بلوقيا إنْ شئتَ الذهاب من عندنا، فإني أُحضِر لك فرسًا من خيلي، وأركبك على ظهرها، وآمرها أن تسير بك إلى آخِر حكمي، فإذا وصلتَ إلى آخِر حكمي يلاقيك جماعة ملك اسمه براخيا، فينظرون الفرس فيعرفونها، ويُنزِلونك من فوقها، ويرسلونها إلينا، وهذا الذي نقدر عليه لا غير.
فلما سمع بلوقيا هذا الكلام بكى وقال للملك: افعل ما تريد. فأمر الملك أن يأتوا له بالفرس، فأتوا له بالفرس وأركبوه على ظهرها، وقالوا له: احذر أن تنزل من فوق ظهرها، أو تضربها في وجهها، فإن فعلتَ ذلك أهلكَتْك، بل استمِرَّ راكبًا عليها مع السكون حتى تقف بك، فانزل عن ظهرها ورُحْ إلى حال سبيلك. فقال لهم بلوقيا: سمعًا وطاعة. ثم ركب الفرس، وسار في الخيام مدة طويلة، ولم يمر في سيره إلا على مطبخ الملك صخر، فنظر بلوقيا إلى قدور معلَّقة، في كل قدر خمسون جملًا، والنار تلتهب من تحتها، فلما رأى بلوقيا تلك القدور وكبرها، تأمَّلَها وتعجَّبَ منها، وأكثر التعجب والتأمل فيها، فنظر إليه الملك فرآه متعجبًا من المطبخ، فظنَّ الملك في نفسه أنه جائع، فأمر أن يجيئوا له بجملين مشويين، فجاءوا له بجملين مشويين وربطوهما خلفه على ظهر الفرس، ثم إنه ودَّعهم وسار حتى وصل إلى آخِر حكم الملك صخر، فوقف الفرس، فنزل عنها بلوقيا ينفض تراب السفر من ثيابه، وإذا برجال أتوا إليه، ونظروا الفرس فعرفوها، فأخذوها وساروا وبلوقيا معهم حتى وصلوا إلى الملك براخيا، فلما دخل بلوقيا على الملك براخيا سلَّمَ عليه، فردَّ عليه السلام، ثم إن بلوقيا نظر إلى الملك فرآه جالسًا في صيوان عظيم، وحوله عساكر وأبطال، وملوك الجان على يمينه وشماله، ثم إن الملك أمر بلوقيا أن يدنو منه، فتقدَّمَ بلوقيا إليه، فأجلسه الملك بجانبه، وأمر أن يأتوا بالسماط، فنظر بلوقيا إلى حال الملك براخيا، فرآه مثل حال الملك صخر، ولما حضرت الأطعمة أكلوا وأكل براقيا حتى اكتفى وحمد الله تعالى. ثم إنهم رفعوا الأطعمة وأتوا بالفاكهة فأكلوا، ثم إن الملك براخيا سأل بلوقيا وقال له: متى فارقْتَ الملك صخر؟ فقال له: من مدة يومين. فقال الملك براخيا لبلوقيا: أتدري مسافة كم يوم سافرْتَ في هذين اليومين؟ قال: لا. قال: مسيرة سبعين شهرًا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.