فلما كانت الليلة ٤٩٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك قال لبلوقيا: واعلم أن يدي قابضة بعروق الأرض. فقال بلوقيا للملك: هل خلق الله في جبل قاف أرضًا غير هذه الأرض التي أنت فيها؟ قال الملك: نعم، خلق أرضًا بيضاء مثل الفضة، وما يعلم قدر اتساعها إلا الله تعالى، وأسكَنَها ملائكة أكلُهم وشربُهم التسبيحُ والتقديس والإكثار من الصلاة على محمد ﷺ، وفي كل ليلة جمعة يأتون إلى هذا الجبل، ويجتمعون ويدعون الله تعالى طول الليل إلى وقت الصباح، ويهدون ثوابَ ذلك التسبيح والتقديس والعبادات للمذنبين من أمة محمد ﷺ، ولكل مَن اغتسل غُسْلَ الجمعة، وهذا حالهم إلى يوم القيامة.
ثم إن بلوقيا سأل الملك وقال له: هل خلق الله جبالًا خلف جبل قاف؟ فقال الملك: نعم، خلف جبل قاف جبل قدره مسيرة خمسمائة عام، وهو من الثلج والبرد، وهو الذي ردَّ حرَّ جهنم عن الدنيا، ولولا ذلك الجبل لَاحترقت الدنيا من حر نار جهنم، وخلف جبل قاف أربعون أرضًا، كل أرض منها قدر الدنيا أربعين مرة، منها ما هو من الذهب، ومنها ما هو من الفضة، ومنها ما هو من الياقوت، ولكل أرض من تلك الأراضي لون، وأسكن الله في تلك الأراضي ملائكة لا شغلَ لهم سوى التسبيح والتقديس، والتهليل والتكبير، ويدعون الله تعالى لأمة محمد ﷺ، ولا يعرفون حواء ولا آدم، ولا ليلًا ولا نهارًا؛ واعلم يا لوقيا أن الأراضي سبع طباق، بعضها فوق بعض، وخلق الله ملكًا من الملائكة لا يعلم أوصافه ولا قدره إلا الله عزَّ وجلَّ، وهو حامل السبع أراضي على كاهله، وخلق الله تعالى تحت ذلك الملك صخرة، وخلق الله تعالى تحت تلك الصخرة نورًا، وخلق الله تعالى تحت ذلك النور حوتًا، وخلق الله تحت ذلك الحوت بحرًا عظيمًا، وقد أعلم الله تعالى عيسى عليه السلام بذلك الحوت، فقال له: يا رب، أَرِني ذلك الحوت حتى أنظر إليه. فأمر الله تعالى مَلَكًا من الملائكة أن يأخذ عيسى ويروح به إلى الحوت حتى ينظره، فأتى ذلك الملك إلى عيسى عليه السلام وأخذه، وأتى به البحر الذي فيه الحوت، وقال له: انظر يا عيسى إلى الحوت. فنظر عيسى إلى الحوت فلم يَرَه، فمَرَّ الحوت على عيسى مثل البرق، فلما رأى ذلك عيسى وقع مغشيًّا عليه، فلما أفاق أوحى الله إلى عيسى وقال له: يا عيسى، هل رأيت الحوت؟ وهل علمت طوله وعرضه؟ فقال عيسى: وعزتك وجلالك يا رب ما رأيته، ولكن مرَّ عليَّ نورٌ عظيم قدره مسافة ثلاثة أيام، ولم أعرف ما شأن ذلك النور. فقال الله: يا عيسى، ذلك الذي مرَّ عليك وقدره مسافة ثلاثة أيام إنما هو رأس النور، واعلم يا عيسى أنني في كل يوم أخلق أربعين حوتًا مثل ذلك الحوت. فلما سمع ذلك الكلام تعجَّبَ من قدرة الله تعالى.
ثم إن بلوقيا سأل الملك وقال له: أي شيء خلق الله تحت البحر الذي فيه الحوت؟ فقال له الملك: خلق الله تحت البحر هواءً عظيمًا، وخلق الله تحت الهواء نارًا، وخلق الله تحت النار حية عظيمة اسمها فلق، ولولا خوف تلك الحية من الله تعالى لَابتلعت جميع ما فوقها من الهواء والنار والملك وما حمله، ولم تحس بذلك الملك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.