فلما كانت الليلة ٤٩٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك قال لبلوقيا في وصف الحية: ولولا خوفها من الله تعالى لَابتلعت جميع ما فوقها من الهواء والنار، والملك وما حمله، ولم تحس بذلك، ولما خلق الله تعالى تلك الحية أوحى إليها أني أريد منك أن أُودِع عندك أمانة فاحفظيها. فقالت الحية: افعل ما تريد. فقال الله لتلك الحية: افتحي فاكِ. ففتحت فاها، فأدخل الله جهنم في بطنها، وقال لها: احفظي جهنم إلى يوم القيامة. فإذا جاء يوم القيامة، يأمر الله ملائكته أن يأتوا ومعهم سلاسل يقودون بها جهنم إلى المحشر، ويأمر الله تعالى جهنم أن تفتح أبوابها، فتفتحها ويطير منها شرر كبار أكثر من الجبال.
فلما سمع بلوقيا ذلك الكلام من الملك بكى بكاءً شديدًا، ثم إنه ودَّعَ الملك، وسار إلى ناحية الغرب حتى أقبل على شخصين فرآهما جالسين، وعندهما باب عظيم مقفول، فلما قرب منهما رأى أحدهما صورته صورة أسد، والآخَر صورته صورة ثور، فسلَّمَ عليهما بلوقيا، فردَّا عليه السلام، ثم إنهما سألاه وقالا له: أي شيء أنت؟ من أين أتيت؟ وإلى أين رائح؟ فقال لهما بلوقيا: أنا من بني آدم، وأنا سائح في حب محمد ﷺ، ولكن تهت عن طريقي. ثم إن بلوقيا سألهما، وقال لهما: أي شيء أنتما، وما هذا الباب الذي عندكما؟ فقالا له: نحن حراس هذا الباب الذي تراه، وما لنا شغل سوى التسبيح والتقديس والصلاة على محمد ﷺ. فلما سمع بلوقيا هذا الكلام تعجَّبَ، وقال لهما: أي شيء داخل هذا الباب؟ فقالا: لا ندري. فقال لهما: بحق ربكما الجليل أن تفتحَا لي هذا الباب حتى أنظر أي شيء داخله. فقالَا له: ما نقدر أن نفتح هذا الباب، ولا يقدر على فتحه أحدٌ من المخلوقين، إلا الأمين جبريل عليه السلام.
فلما سمع بلوقيا ذلك تضرَّعَ إلى الله تعالى، وقال: يا رب، ائتني بالأمين جبريل ليفتح لي هذا الباب حتى أنظر ما داخله. فاستجاب الله دعاءه، وأمر الأمين جبريل أن ينزل إلى الأرض، ويفتح باب مجمع البحرين حتى ينظره بلوقيا، فنزل جبريل إلى بلوقيا وسلَّمَ عليه، وأتى إلى ذلك الباب وفتحه. ثم إن جبريل قال لبلوقيا: ادخل إلى هذا الباب، فإن الله أمرني أن أفتحه لك. فدخل بلوقيا وسار فيه، ثم إن جبريل قفل الباب وارتفع إلى السماء، ورأى بلوقيا في داخل الباب بحرًا عظيمًا، نصفه مالح، ونصفه حلو، وحول ذلك البحر جبلان، وهذان الجبلان من الياقوت الأحمر، وسار بلوقيا حتى أقبل على هذين الجبلين، فرأى فيهما ملائكة مشغولين بالتسبيح والتقديس، فلما رآهم بلوقيا سلَّمَ عليهم، فردُّوا عليه السلام، فسألهم بلوقيا عن البحر وعن هذين الجبلين، فقال له الملائكة: إن هذا مكان تحت العرش، وإن هذا البحر يمد كلَّ بحر في الدنيا، ونحن نقسم هذا الماء ونسوقه إلى الأراضي؛ المالح للأرض المالحة، والحلو للأرض الحلوة، وهذان الجبلان خلقهما ليحفظَا هذا الماء، وهذا أمرنا إلى يوم القيامة.
ثم إنهم سألوه وقالوا له: من أين أقبلت، وإلى أين رائح؟ فحكى لهم بلوقيا حكايته من الأول إلى الآخِر، ثم إن بلوقيا سألهم عن الطريق، فقالوا له: اطلع هنا على ظهر هذا البحر. فأخذ بلوقيا من الماء الذي معه، ودهن قدمَيْه، وودَّعهم وسار على ظهر البحر ليلًا ونهارًا، فبينما هو سائر وإذا هو ينظر شابًّا مليحًا سائرًا على ظهر البحر، فأتى إليه وسلَّم عليه، فردَّ عليه السلام، ثم إن بلوقيا لما فارَقَ الشاب رأى أربعة ملائكة سائرين على وجه البحر، وسيرهم مثل البرق الخاطف، فتقدَّمَ بلوقيا ووقف في طريقهم، فلما وصلوا إليه سلَّمَ عليهم بلوقيا، وقال لهم: أريد أن أسألكم بحق العزيز الجليل، ما اسمكم؟ ومن أين أنتم؟ وإلى أين تذهبون؟ فقال واحد منهم: أنا اسمي جبريل، والثاني اسمه إسرافيل، والثالث اسمه ميكائيل، والرابع اسمه عزرائيل، وقد ظهر في المشرق ثعبان عظيم، وذلك الثعبان خرَّبَ ألف مدينة، وأكل أهلها، وقد أمرنا الله تعالى أن نروح إليه ونمسكه ونرميه في جهنم. فتعجَّبَ منهم بلوقيا، ومن عِظَمهم، وسار على عادته ليلًا ونهارًا حتى وصل إلى جزيرةٍ، فطلع عليها وتمشَّى فيها ساعة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.