فلما كانت الليلة ٤٩٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن بلوقيا لما حكى للشاب حكايته قال له الشاب: وأي شيء رأيتَ من العجائب يا مسكين؟ أنا رأيت السيد سليمان في زمانه، ورأيت عجائب لا تُعَدُّ ولا تُحصَى، واعلم يا أخي أن أبي كان ملكًا يقال له الملك طيغموس، وكان يحكم على بلاد كابل، وعلى بني شهلان، وهم عشرة آلاف بهلوان، كل بهلوان منهم يحكم على مائة مدينة، ومائة قلعة بأسوارها، وكان يحكم على سبعة سلاطين، ويُحمَل له المال من المشرق إلى المغرب، وكان عادلًا في حكمه، وقد أعطاه الله تعالى كل هذا، ومَنَّ عليه بذلك المُلْك العظيم، ولم يكن له ولد، وكان مراده في عمره أن يرزقه الله ولدًا ذكرًا ليخلفه في ملكه بعد موته، فاتفق أنه طلب العلماء والمنجِّمِين، وأرباب المعرفة والتقويم، يومًا من الأيام، وقال لهم: انظروا طالعي، وهل يرزقني الله في عمري ولدًا ذكرًا فيخلفني في ملكي؟ ففتح المنجِّمون الكتب، وحسبوا طالعه وناظره من الكواكب، ثم قالوا له: اعلم أيها الملك أنك تُرزَق ولدًا ذكرًا، ولا يكون ذلك الولد إلا من بنت ملك خراسان. فلما سمع طيغموس ذلك منهم فرِحَ فرحًا شديدًا، وأعطى المنجِّمِين والحكماء مالًا كثيرًا لا يُعَدُّ ولا يُحصَى، وذهبوا إلى حال سبيلهم، وكان عند الملك طيغموس وزير كبير، وكان بهلوانًا عظيمًا، مقومًا بألف فارس، وكان اسمه عين زار، فقال له: يا وزير، أريد منك أن تتجهَّزَ للسفر إلى بلاد خراسان، وتخطب لي بنت الملك بهروان ملك خراسان، وحكى الملك طيغموس لوزيره عين زار ما أخبره به المنجِّمون، فلما سمع الوزير ذلك الكلام من الملك طيغموس ذهب من وقته وساعته، وتجهَّزَ للسفر؛ ثم برز إلى خارج المدينة بالعساكر والأبطال والجيوش.
هذا ما كان من أمر الوزير، وأما ما كان من أمر الملك طيغموس، فإنه جهَّزَ ألفًا وخمسمائة حمل من الحرير، والجواهر واللؤلؤ واليواقيت، والذهب والفضة والمعادن، وجهَّزَ شيئًا كثيرًا من آلة العرس وحمَّلَها على الجِمال والبغال، وسلَّمَها إلى وزيره عين زار، وكتب له كتابًا مضمونه: «أما بعد، فالسلام على الملك بهروان، واعلم أننا قد جمعنا المنجِّمين والحكماء وأرباب التقاويم، فأخبرونا أننا نُرزَق ولدًا ذكرًا، ولا يكون ذلك الولد إلا من بنتك، وها أنا قد جهَّزْتُ لك الوزير عين زار، ومعه أشياء كثيرة من آلة العروس، وإني أقمت وزيري مقامي في هذه المسألة، ووكَّلْتُه في قبول العقد، وأريد من فضلك أن تقضي للوزير حاجته، فإنها حاجتي، ولا تُبدِي في ذلك إهمالًا ولا إمهالًا، وما فعلته من الجميل فهو مقبول منك، والحذر من المخالفة في ذلك. واعلم يا ملك بهروان أن الله قد مَنَّ عليَّ بمملكة كابل، وملَّكَني على بني شهلان، وأعطاني مُلْكًا عظيمًا، وإذا تزوَّجْتُ بنتك أكون أنا وأنت في المُلْك شيئًا واحدًا، وأُرسِل إليك في كل سنة ما يكفيك من المال، وهذا قصدي منك.»
ثم إن الملك طيغموس ختم الكتاب، وناوله لوزيره عين زار، وأمره بالسفر إلى بلاد خراسان، فسافر الوزير حتى وصل إلى قرب مدينة الملك بهروان، فأعلموه بقدوم وزير الملك طيغموس، فلما سمع الملك بهروان بذلك الكلام جهَّزَ أمراء دولته للملاقاة، وجهَّزَ معهم أكلًا وشربًا، وغير ذلك، وأعطاهم عليقًا لأجل الخيل، وأمرهم بالسير إلى ملاقاة الوزير عين زار، فحمَّلوا الأحمال، وساروا حتى أقبلوا على الوزير، وحطوا الأحمال، ونزلت الجيوش والعساكر، وسلَّمَ بعضهم على بعض، ومكثوا في ذلك المكان مدة عشرة أيام وهم في أكل وشرب، ثم بعد ذلك ركبوا وتوجَّهوا إلى المدينة، وطلع الملك بهروان إلى مقابلة وزير الملك طيغموس، وعانَقَه وسلَّمَ عليه، وأخذه وتوجَّهَ به إلى القلعة. ثم إن الوزير قدَّمَ الأحمال والتحف وجميع الأموال للملك بهروان، وأعطاه الكتاب، فأخذه الملك بهروان، وقرأه وعرف ما فيه، وفهم معناه، وفرح فرحًا شديدًا، ورحَّبَ بالوزير وقال له: أبشِرْ بما تريد، ولو طلب الملك طيغموس روحي لأعطيتُه إياها. وذهب الملك بهروان من وقته إلى بنته وأمها وأقاربه، وأعلَمَهم بذلك الأمر واستشارهم فيه، فقالوا له: افعل ما شئتَ. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.