فلما كانت الليلة ٥٠٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك استشار البنت وأمها وأقاربها، فقالوا له: افعل ما تريد. ثم إن الملك بهروان رجع إلى الوزير عين زار، وأعلمه بقضاء حاجته، ومكث الوزير عند الملك بهروان مدة شهرين، ثم بعد ذلك قال الوزير للملك: إننا نريد منك أن تنعم علينا بما أتيناك فيه، ونروح إلى بلادنا. فقال الملك للوزير: سمعًا وطاعةً. ثم أمر بإقامة العرس وتجهيز الجهاز، ففعلوا ما أمرهم به، وبعد ذلك أمر بإحضار وزرائه، وجميع الأمراء من أكابر دولته، فحضروا جميعًا، ثم أمر بإحضار الرهبان والقسيسين، فحضروا وعقدوا عقد البنت للملك طيغموس، وهيَّأَ الملك بهروان آلة السفر، وأعطى بنته من الهدايا والتحف والمعادن ما يكلُّ عنه الوصف، وأمر بفرش أزِقَّة المدينة، وزيَّنَها بأحسن زينة، وسافر الوزير عين زار ببنت الملك بهروان إلى بلاده، فلما وصل الخبر إلى الملك طيغموس أمر بإقامة الفرح وزينة المدينة، ثم إن الملك طيغموس دخل على بنت الملك بهروان، وأزال بكارتها، فما مضت عليها أيام قلائل حتى علقت منه، ولما تمَّتْ أشهرها وضعت ولدًا ذكرًا مثل البدر في ليلة تمامه، فلما علم الملك طيغموس أن زوجته وضعت ولدًا ذكرًا مليحًا، فرح فرحًا شديدًا، وطلب الحكماء والمنجِّمين وأرباب التقاويم، وقال لهم: أريد منكم أن تنظروا طالع هذا المولود، وناظره من الكواكب، وتخبروني بما يلقاه في عمره، فحسب الحكماء والمنجمون طالعه وناظره، فرأوا الولد سعيدًا، ولكنه يحصل له في أول عمره تعب، وذلك عند بلوغه خمس عشرة سنة، فإنْ عاش بعدها رأى خيرًا كثيرًا، وصار مَلِكًا عظيمًا أعظم من أبيه، وعظم سعده، وهلك ضده، وعاش عيشًا هنيئًا، وإنْ مات فلا سبيل إلى ما فات، والله أعلم.
فلما سمع الملك ذلك الخبر فرح فرحًا شديدًا، وسماه جانشاه، وسلَّمه للمراضع والدايات وأحسن تربيته، فلما بلغ من العمر خمس سنين علَّمَه أبوه القراءة، وصار يقرأ في الإنجيل، وعلَّمَه الحرب والطعن والضرب في أقل من سبع سنين، وجعل يركب للصيد والقنص، وصار بهلوانًا عظيمًا كاملًا في جميع آلات الفروسية، وصار أبوه كلما سمع بفروسيته في جميع آلات الحرب فرح فرحًا شديدًا، فاتفق في يوم من الأيام أن الملك طيغموس أمر عسكره أن يركبوا للصيد والقنص، فطلعت العسكر والجيوش وركب الملك طيغموس هو وابنه جانشاه، وساروا إلى البراري والقفار، واشتغلوا بالصيد والقنص إلى عصر اليوم الثالث، فسنحت لجانشاه غزالة عجيبة اللون، وشردت قدَّامه، فلما نظر جانشاه إلى تلك الغزالة وهي شاردة قدامه تبعها، وأسرَعَ في الجري وراءها وهي هاربة، فانتبذ سبعة مماليك من مماليك طيغموس، وذهبوا في إثر جانشاه، فلما نظروا إلى سيدهم وهو مُسرِع وراء تلك الغزالة، راحوا مُسرِعين وراءه وهم على خيل سوابق، وما زالوا سائرين حتى وصلوا إلى بحر، فتهاجم الجميع على الغزالة ليمسكوها قنصًا، ففَرَّتْ منهم الغزالة، وألقت نفسها في البحر. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.