فلما كانت الليلة ٥٠١
حكاية جانشاه ابن الملك طيغموس
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جانشاه هو ومماليكه لما هجموا على الغزالة ليمسكوها قنصًا، فرَّتْ منهم ورمت نفسها في البحر، وكان في ذلك البحر مركب صياد، فنَطَّتْ فيها الغزالة، فنزل جانشاه ومماليكه عن خيلهم إلى المركب، وقنصوا الغزالة، وأرادا أن يرجعوا إلى البر، وإذا بجانشاه ينظر إلى جزيرة عظيمة، فقال للمماليك الذين معه: إني أريد أن نذهب إلى الجزيرة. فقالوا له: سمعًا وطاعةً. وساروا بالمركب إلى ناحية الجزيرة حتى وصلوا إليها، فلما وصلوا إليها طلعوا فيها وصاروا يتفرجون عليها، ثم بعد ذلك عادوا إلى المركب ونزلوا فيها، وساروا والغزالة معهم قاصدين البرَّ الذي أتوا منه، فأمسى عليهم المساء، وتاهوا في البحر، فهَبَّتْ عليهم الريح، وأجرت المركب في وسط البحر، وناموا إلى وقت الصباح، ثم انتبهوا وهم لا يعرفون الطريق، ولم يزالوا سائرين في البحر.
هذا ما كان من أمرهم، وأما ما كان من أمر الملك طيغموس والد جانشاه، فإنه تفقَّدَ ابنه فلم يَرَه، فأمر العسكر أن يروح كل جماعة منهم إلى طريق، فصاروا دائرين يفتِّشون عن ابن الملك طيغموس، وذهب جماعة منهم إلى البحر، فرأوا المملوك الذي خلوه عند الخيل، فأتوه وسألوه عن سيده، وعن الستة المماليك، فأخبرهم المملوك بما جرى لهم، فأخذوا المملوك والخيل، ورجعوا على الملك وأخبروه بذلك الخبر، فلما سمع الملك بذلك الكلام بكى بكاءً شديدًا، ورمى التاج من فوق رأسه، وعضَّ يدَيْه ندمًا، وقام من وقته وكتب كتبًا، وأرسلها إلى الجزائر التي في البحر، وجمع مائة مركب، وأنزل فيها عساكر، وأمرهم أن يدوروا في البحر، ويفتِّشوا على ولده جانشاه. ثم إن الملك أخذ بقية العساكر والجيوش، ورجع إلى المدينة، وصار في نكد شديد، ولما علمت والدة جانشاه بذلك، لطمت وجهها وأقامت عزاءه.
هذا ما كان من أمرهم، وأما ما كان من أمر جانشاه والمماليك الذين معه، فإنهم لم يزالوا تائهين في البحر، ولم يزل الرواد دائرين يفتشون عنهم في البحر مدةَ عشرة أيام، فما وجدوهم، فرجعوا إلى الملك وأعلموه بذلك، ثم إن جانشاه والمماليك الذين معه هبَّ عليهم ريح عاصف، وساق المركب التي هم فيها حتى أوصلها إلى جزيرة، وطلع جانشاه والستة المماليك من المركب، وتمشَّوْا في تلك الجزيرة حتى وصلوا إلى عين ماء جارية في وسط تلك الجزيرة، فرأوا رجلًا جالسًا على بُعْدٍ قريبًا من العين، فأتوه وسلَّموا عليه، فردَّ عليهم السلام، ثم إن الرجل كلَّمهم بكلام مثل صغير الطير، فلما سمع جانشاه كلامَ ذلك الرجل تعجَّبَ، ثم إن الرجل التفَتَ يمينًا وشمالًا، وبينما هم يتعجَّبون من ذلك الرجل، إذا هو قد انقسم نصفين، وراح كل نصف في ناحية. وبينما هم كذلك إذ أقبَلَ عليهم أصنافُ رجال لا تُحصَى ولا تُعَدُّ، وأتوا من جانب الجبل، وساروا حتى وصلوا إلى العين، وصار كل واحد منقسمًا نصفين، ثم إنهم أتوا جانشاه والمماليك ليأكلوهم، فلما رآهم جانشاه يريدون أكلهم هرب منهم، وهربت معه المماليك، فتبعهم هؤلاء الرجال، فأكلوا من المماليك ثلاثة، وبقي ثلاثة مع جانشاه.
ثم إن جانشاه نزل في المركب ومعه الثلاثة المماليك، ودفعوا المركب إلى وسط البحر، وساروا ليلًا ونهارًا وهم لا يعرفون أين تذهب بهم المركب، ثم إنهم ذبحوا الغزالة، وصاروا يقتاتون منها، فضربتهم الرياح، فنقلتهم إلى جزيرة أخرى، فنظروا إلى تلك الجزيرة، فرأوا فيها أشجارًا وأنهارًا، وأثمارًا وبساتين، وفيها من جميع الفواكه، والأنهار تجري من تحت تلك الأشجار، وهي كأنها الجنة، فلما رأى جانشاه تلك الجزيرة أعجبته، وقال للمماليك: مَن فيكم يطلع هذه الجزيرة، وينظر لنا خبرها؟ فقال مملوك منهم: أنا أطلع وأكشف لكم عن خبرها، وأرجع إليكم. فقال جانشاه: هذا أمر لا يكون، وإنما تطلعون أنتم الثلاثة، وتكشفون لنا عن خبر هذه الجزيرة، وأنا قاعد لكم في المركب حتى ترجعوا. ثم إن جانشاه أنزل الثلاثة المماليك ليكشفوا عن خبر هذه الجزيرة، فطلع المماليك إلى الجزيرة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.