فلما كانت الليلة ٥٠٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن المماليك الثلاثة لما طلعوا إلى الجزيرة داروا فيها شرقًا وغربًا، فلم يجدوا فيها أحدًا، ثم مشوا فيها إلى وسطها فرأوا على بُعْدٍ قلعةً من الرخام الأبيض، وبيوتها من البلور الصافي، وفي وسط تلك القلعة بستان فيه من جميع الفواكه اليابسة والرطبة ما يكلُّ عنه الوصف، وفيه جميع المشموم، ورأوا في تلك القلعة أشجارًا وأثمارًا، وأطيارًا تناغي على تلك الأشجار، وفيها بحيرة عظيمة، وبجانب البحيرة إيوان عظيم، وعلى ذلك الإيوان كراسي منصوبة، وفي وسط تلك الكراسي تخت منصوب من الذهب الأحمر، مرصَّع بأنواع الجواهر واليواقيت. فلما رأى المماليك حُسْن تلك القلعة وذلك البستان، داروا في تلك القلعة يمينًا وشمالًا فما رأوا فيها أحدًا، ثم طلعوا من القلعة ورجعوا إلى جانشاه وأعلموه بما رأوه. فلما سمع جانشاه ابن الملك منهم ذلك الخبر قال لهم: إني لا بد لي من أن أتفرج في هذه القلعة. ثم إن جانشاه طلع من المركب وطلعت معه المماليك وساروا حتى أتوا القلعة ودخلوا فيها، فتعجَّبَ جانشاه من حُسْن ذلك المكان، ثم داروا يتفرجون في البستان، ويأكلون من تلك الفواكه، ولم يزالوا دائرين إلى وقت المساء، ولما أمسى عليهم المساء، أتوا إلى المنصوبة وجلس جانشاه على التخت المنصوب في الوسط، وصارت الكراسي منصوبة عن يمينه وشماله، ثم إن جانشاه لما جلس على ذلك التخت صار يتفكَّر ويبكي على فراق تخت والده، وعلى فراق بلاده وأهله وأقاربه، وبكت حوله الثلاثة المماليك. فبينما هم في ذلك الأمر، وإذا بصيحةٍ عظيمة من جانب البحر، فالتفتوا إلى جهة تلك الصيحة، فإذا هم قردة كالجراد المنتشرة، وكانت تلك القلعة والجزيرة للقردة، ثم إن هؤلاء القردة لما رأوا المركب التي أتى فيها جانشاه، خسفوها على شاطئ البحر، وأتوا جانشاه وهو جالس في القلعة.
قالت ملكة الحيات: كل هذا يا حاسب مما يحكيه الشاب الجالس بين القبرين لبلوقيا. فقال لها حاسب: وما فعل جانشاه مع القردة بعد ذلك؟ قالت له ملكة الحيات: لما طلع جانشاه وجلس على التخت، والمماليك عن يمينه وشماله، أقبل عليهم القِرَدة، فأفزعوهم وأخافوهم خوفًا عظيمًا، ثم دخلت جماعة من القردة، وتقدَّموا إلى أن قربوا من التخت الجالس عليه جانشاه، وقبَّلوا الأرض قدَّامه، ووضعوا أيديهم على صدورهم، ووقفوا قدامه ساعة، وبعد ذلك أقبلَتْ جماعة منهم، ومعهم غزلان فذبحوها، وأتوا بها إلى القلعة وسلخوها، وقطعوا لحمها وشووها حتى طابت للأكل، وحطوها في صوان من الذهب والفضة، ومدوا السماط، وأشاروا إلى جانشاه وجماعته أن يأكلوا، فنزل جانشاه من فوق التخت وأكل، وأكلت معه القرود والمماليك، حتى اكتفوا من الأكل. ثم إن القرود رفعوا سماط الطعام وأتوا بفاكهة، فأكلوا منها وحمدوا الله تعالى، ثم إن جانشاه أشار إلى أكابر القرود، وقال لهم: ما شأنكم؟ ولمَنْ هذا المكان؟ فقال له القرود بالإشارة: اعلم أن هذا المكان لسيدنا سليمان بن داود عليهما السلام، وكان يأتي إليه في كل سنة مرة يتفرَّج فيه، ويروح من عندنا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.