فلما كانت الليلة ٥٠٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جانشاه أخبره القرود عن القلعة، وقالوا له: إن هذا المكان كان لسيدنا سليمان بن داود، وكان يأتي إليه في كل سنة يتفرَّج فيه ويروح من عندنا. ثم قال له القرود: اعلم أيها الملك أنك بقيتَ علينا سلطانًا، ونحن في خدمتك، وكُلْ واشربْ، وكل ما أمرتنا به نفعله. ثم قام القرود وقبَّلوا الأرض بين يدَيْه، وانصرف كلُّ واحد منهم إلى حال سبيله، ونام جانشاه فوق التخت، ونام المماليك حوله على الكراسي إلى وقت الصباح. ثم دخل عليه الأربعة وزراء الرؤساء على القرود وعساكرهم حتى امتلأ ذلك المكان، وصاروا حوله صفًّا بعد صف، وأتت الوزراء وأشاروا إلى جانشاه أن يحكم بينهم بالصواب، ثم صاح القرود على بعضهم وانصرفوا، وبقي منهم جانب قدام الملك جانشاه من أجل الخدمة، ثم بعد ذلك أقبَلَ قرود معهم كلاب في صورة الخيل، وفي رأس كل كلب منهم سلسلة، فتعجَّبَ جانشاه من هذه الكلاب ومن عِظَم خلقتها. ثم إن وزراء القرود أشاروا لجانشاه أن يركب ويسير معهم، فركب جانشاه والثلاثة مماليك، وركب معهم عسكر القرود، وصاروا مثل الجراد المنتشر، وبعضهم راكب، وبعضهم ماشٍ، فتعجَّبَ من أمورهم. ولم يزالوا سائرين إلى شاطئ البحر، فلما رأى جانشاه المركب التي كان راكبًا فيها قد خُسِفت، التفت إلى وزرائه من القرود وقال لهم: أين المركب التي كانت هنا؟ فقالوا له: اعلم أيها الملك أنكم لمَّا أتيتم إلى جزيرتنا، علمنا أنك تكون سلطانًا علينا، وخفنا أن تهربوا منَّا إذ أتينا عندكم وتنزلوا المركب، فمن أجل ذلك خسفناها.
فلما سمع جانشاه هذا الكلام التفت إلى المماليك، وقال لهم: ما بقي لنا حيلة في الرواح من عند هؤلاء القرود، ولكن نصبر لما قدَّرَه الله تعالى. ثم ساروا، وما زالوا سائرين حتى وصلوا إلى شاطئ نهر، وفي جانب ذلك النهر جبل عالٍ، فنظر جانشاه إلى ذلك الجبل، فرأى فيه غيلانًا كثيرة، فالتفت إلى القرود وقال لهم: ما شأن هؤلاء الغيلان؟ فقال له القرود: اعلم أيها الملك أن هؤلاء الغيلان أعداؤنا، ونحن أتينا لنقاتلهم، فتعجَّبَ جانشاه من هؤلاء الغيلان، ومن عِظَم خلقتهم، وهم راكبون على الخيل، ورءوس بعضهم على صورة رءوس البقر، وبعضهم على صورة الجمال، فلما رأى الغيلانُ عسكرَ القرود هجموا عليهم، ووقفوا على شاطئ النهر، وصاروا يرجمونهم بشيء من الحجارة في صورة العواميد، وحصل بينهم حرب عظيمة؛ فلما رأى جانشاه الغيلان غلبوا القرود، زعق على المماليك وقال لهم: أطلعوا القسيَّ والنشابَ، وارموا عليهم بالنبال حتى تقتلوهم، وتردُّوهم عنَّا. ففعل المماليك ما أمرهم به جانشاه حتى حصل للغيلان كرب عظيم، وقُتِل منهم خلق كثير، وانهزموا وولَّوْا هاربين، فلما رأى القرود من جانشاه هذا الأمر، نزلوا في النهر وعدوه، وجانشاه معهم، وطرد الغيلان حتى غابوا عن أعينهم، وانهزموا وقُتِل منهم كثير، ولم يزل جانشاه والقرود سائرين حتى وصلوا إلى جبلِ عالٍ، فنظر جانشاه إلى ذلك الجبل، فوجد فيه لوحًا من المرمر مكتوبًا فيه: «اعلم يا مَن دخل هذه الأرض، أنك تصير سلطانًا على هؤلاء القرود، وما يتأتى لك رواح من عندهم إلا إنْ رحتَ من الدرب الشرقي بناحية الجبل، وطوله ثلاثة أشهر، وأنت سائر بين الوحوش والغيلان والمَرَدة والعفاريت، وبعد ذلك تنتهي إلى البحر المحيط بالدنيا؛ أو رحت من الدرب الغربي، وطوله أربعة أشهر، وفي رأسه وادي النمل، فإذا وصلتَ إلى وادي النمل ودخلت فيه، فاحترز على نفسك من هذا النمل حتى تنتهي إلى جبلٍ عالٍ، وذلك الجبل يتوقَّد مثل النار، ومسيرته عشرة أيام.» فلما رأى جانشاه ذلك اللوح … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.