فلما كانت الليلة ٥٠٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جانشاه لما رأى ذلك اللوح، قرأه ورأى فيه ما ذكرناه، ورأى في آخِر الكلام: «ثم تنتهي إلى نهر عظيم وهو يجري، وجريانه يخطف البصر من شدة عزمه، وذلك النهر في كل سبت ييبس، وبجانبه مدينة أهلها كلهم يهود، ولدين محمد جحود، ما فيهم مسلم أبدًا، وما في هذه الأرض إلا هذه المدينة، وما دمتَ مقيمًا عند القرود هم منصورون على الغيلان. واعلم أن هذا اللوح كتبه السيد سليمان بن داود عليهما السلام.» فلما قرأه جانشاه بكى بكاءً شديدًا، ثم التفت إلى مماليكه، وأعلمهم بما هو مكتوب على اللوح، وبعد ذلك ركب وركب حوله عساكر القرود، وصاروا فرحانين بالنصر على أعدائهم، ورجعوا إلى قلعتهم؛ ومكث جانشاه في القلعة سلطانًا على القرود سنةً ونصفًا، ثم بعد ذلك أمر جانشاه عساكر القرود أن يركبوا للصيد والقنص، فركبوا وركب معهم جانشاه ومماليكه، وساروا في البراري والقفار، ولم يزالوا سائرين من مكان إلى مكان حتى عرف وادي النمل، ورأى الأمارة المكتوبة في اللوح المرمر؛ فلما رأى ذلك أمرهم أن ينزلوا في ذلك المكان، فنزلوا ونزلت عساكر القرود، ومكثوا في أكل وشرب مدة عشرة أيام، ثم اختلى جانشاه بمماليكه ليلةً من الليالي، وقال لهم: إني أريد أن نهرب ونروح إلى وادي النمل، ونسير إلى مدينة اليهود؛ لعل الله ينجينا من هؤلاء القرود، ونروح إلى حال سبيلنا. فقالوا له: سمعًا وطاعةً.
ثم إنه صبر حتى مضى من الليل شيء قليل، وقام وقامت معه المماليك، وتسلَّحوا بأسلحتهم، وحزموا أوساطهم بالسيوف والخناجر، وما أشبه ذلك من آلات الحرب، وخرج جانشاه هو ومماليكه وساروا من أول الليل إلى وقت الصبح، فلما انتبه القرود من نومهم لم يروا جانشاه ولا مماليكه، فعلموا أنهم هربوا منهم، فقامت جماعة من القرود وركبوا وساروا ناحية الدرب الشرقي، وجماعة ركبوا وساروا إلى وادي النمل. فبينما القرود سائرون إذ نظروا جانشاه والمماليك معه وهم مُقبِلون على وادي النمل، فلما رأوهم أسرعوا وراءهم، فلما نظرهم جانشاه هرب وهربت معه المماليك، ودخلوا وادي النمل، فما مضت ساعة من الزمان إلا والقرود قد هجمت عليهم، وأرادوا أن يقتلوا جانشاه هو ومماليكه، وإذا هم بنملٍ قد خرج من تحت الأرض مثل الجراد المنتشر، كل نملة منه قدر الكلب، فلما رأى النملُ القرودَ هجم عليهم، وأكل منهم جماعة، وقُتِل من النمل جماعة كثيرة، لكن حصل النصر للنمل، وصارت النملة تأتي إلى القرد وتضربه فتقسمه نصفين، وصار العشرة قرود يركبون النملة الواحدة ويمسكونها ويقسمونها نصفين، ووقع بينهم حرب عظيم إلى وقت المساء، ولما أمسى الوقت هرب جانشاه هو والمماليك في بطن الوادي. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.