فلما كانت الليلة ٥٠٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أنه لما أقبل المساء هرب جانشاه هو ومماليكه في بطن الوادي إلى الصباح، فلما أصبح الصباح أقبل القرود على جانشاه، فلما رآهم زعق على مماليكه، وقال لهم: اضربوهم بالسيوف. فسحب المماليك سيوفهم، وجعلوا يضربون القرود يمينًا وشمالًا، فتقدَّمَ قرد عظيم له أنياب مثل أنياب الفيل، وأتى إلى واحد من المماليك وضربه فقسمه نصفين، وتكاثرت القرود على جانشاه، فهرب إلى أسفل الوادي، ورأى هناك نهرًا عظيمًا وبجانبه نمل عظيم، فلما رأى النمل جانشاه مُقبِلًا عليه واحتاط به، وإذا بمملوك ضرب نملة بالسيف فقسمها نصفين، فلما رأت عساكر النمل ذلك تكاثروا على المملوك وقتلوه. فبينما هم في هذا الأمر وإذا بالقرود قد أقبلوا من فوق الجبل، وتكاثروا على جانشاه، فلما رأى جانشاه اندفاعهم عليه، نزع ثيابه ونزل النهر، ونزل معه المملوك الذي بقي، وعاما في الماء إلى وسط النهر، ثم إن جانشاه رأى شجرة على شاطئ النهر من الجهة الأخرى، فمدَّ يده إلى غصن من أغصانها وتناوله، وتعلَّقَ به وطلع إلى البر، وأما المملوك فإنه غلب عليه التيار فأخذه وقطعه في الجبل، وصار جانشاه واقفًا وحده في البر يعصر ثيابه وينشِّفها في الشمس، ووقع بين القرود والنمل قتال عظيم، ثم رجع القرود إلى بلادهم.
هذا ما كان من أمر القرود والنمل، وأما ما كان من أمر جانشاه، فإنه صار يبكي إلى وقت المساء، ثم دخل مغارة واستكنَّ فيها، وقد خاف خوفًا شديدًا، واستوحش لفقد مماليكه، ثم نام في تلك المغارة إلى الصباح، ثم سار، ولم يزل سائرًا ليالي وأيامًا وهو يأكل من الأعشاب، حتى وصل إلى الجبل الذي يتوقَّد مثل النار، فلما أتى إليه سار فيه حتى وصل إلى النهر الذي ينشف في كل يوم سبت، فلما وصل إلى ذلك النهر رآه نهرًا عظيمًا، وبجانبه مدينة عظيمة، وهي مدينة اليهود التي رآها مكتوبة في اللوح، فأقام هناك إلى أن أتى يوم السبت ونشف النهر، ثم مشى من النهر حتى وصل إلى مدينة اليهود، فلم يَرَ فيها أحدًا، فمشى فيها حتى وصل إلى باب بيت ففتحه ودخله، فرأى أهله ساكتين لا يتكلمون أبدًا، فقال لهم: إني رجل غريب جائع. فقالوا له بالإشارة: كُلْ واشربْ ولا تتكلَّمْ. فقعد عندهم وأكل وشرب، ونام تلك الليلة، فلما أصبح الصباح سلَّمَ عليه صاحب البيت ورحَّب به، وقال له: من أين أتيتَ؟ وإلى أين رائح؟ فلما سمع جانشاه كلام ذلك اليهودي، بكى بكاءً شديدًا وحكى له قصته، وأخبره بمدينة أبيه، فتعجَّبَ اليهودي من ذلك وقال له: ما سمعنا بهذه المدينة قطُّ، غير أننا كنَّا نسمع من قوافل التجار أن هناك بلادًا تُسمَّى بلاد اليمن. فقال جانشاه لليهودي: هذه البلاد التي يخبر بها التجار لا تبعد عن هذا المكان. فقال له اليهودي: إن تجار تلك القوافل يزعمون أن مدة سفرهم من بلادهم إلى هنا سنتان وثلاثة أشهر. فقال جانشاه لليهودي: ومتى تأتي القافلة؟ فقال له: تأتي في السنة القابلة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.