فلما كانت الليلة ٥٠٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن جانشاه لما سأل اليهودي عن مجيء القافلة قال له: تأتي في السنة القابلة. فلما سمع جانشاه كلامه بكى بكاءً شديدًا، وحزن على نفسه، وعلى مماليكه، وعلى فراق أمه وأبيه، وعلى ما جرى له في سفره، فقال له اليهودي: لا تبكِ يا شاب، واقعدْ عندنا حتى تأتي القافلة، ونحن نُرسِلك معها إلى بلادك. فلما سمع جانشاه ذلك الكلام، قعد عند اليهودي مدة شهرين، وصار في كل يوم يخرج إلى أزِقَّة المدينة ويتفرج فيها، فاتفق أنه خرج على عادته يومًا من الأيام، ودار في شوارع المدينة يمينًا وشمالًا، فسمع رجلًا ينادي، ويقول: مَن يأخذ ألف دينار وجارية حسناء بديعة الحُسْن والجمال، ويعمل لي شغلًا من وقت الصباح إلى وقت الظهر؟ فلم يُجِبْه أحدٌ. فلما سمع جانشاه كلام المنادي قال في نفسه: لولا أن هذا الشغل خطر ما كان صاحبه يعطي ألف دينار وجارية حسناء في شغل من الصبح إلى الظهر. ثم إن جانشاه تمشى إلى المنادي، وقال له: أنا أعمل هذا الشغل. فلما سمع المنادي من جانشاه هذا الكلام أخذه، وأتى به إلى بيتٍ عالٍ، فدخل هو وجانشاه ذلك البيت فوجده بيتًا عظيمًا، ووجد هناك رجلًا يهوديًّا تاجرًا جالسًا على كرسي من الأبنوس، فوقف المنادي قدامه وقال له: أيها التاجر، إن لي ثلاثة شهور وأنا أنادي في المدينة، فلم يُجِبْني أحد إلا هذا الشاب. فلما سمع التاجر كلام المنادي رحَّبَ بجانشاه وأخذه ودخل به إلى مكان نفيس، وأشار إلى عبيده أن يأتوا له بالطعام، فمدوا السماط، وأتوا بأنواع الأطعمة، فأكل التاجر وجانشاه، وغسلَا أيديهما، وأتوا بالمشروب فشربا، ثم إن التاجر قام وأتى لجانشاه بكيس فيه ألف دينار، وأتى له بجارية بديعة الحُسْن والجمال، وقال له: خذ هذه الجارية وهذا المال في الشغل الذي تعمله. فأخذ جانشاه الجارية والمال، وأجلس الجارية بجانبه، وقال له التاجر: في غدٍ اعمل لنا الشغل.
ثم ذهب التاجر من عنده، ونام جانشاه هو والجارية في تلك الليلة، ولما أصبح الصباح راح إلى الحمام، فأمر التاجر عبيده أن يأتوا له ببدلة من الحرير، فأتوا له ببدلة نفيسة من الحرير، وصبروا حتى خرج من الحمام، وألبسوه البدلة، وأتوا به إلى البيت، فأمر التاجر عبيده أن يأتوا بالحنك والعود والمشروب، فأتوا إليهما بذلك، فشربا ولعبا وضحكا إلى أن مضى من الليل نصفه، وبعد ذلك ذهب التاجر إلى حريمه، ونام جانشاه مع الجارية إلى وقت الصباح، ثم راح إلى الحمام، فلما رجع من الحمام جاء إليه التاجر، وقال: إني أريد أن تعمل لنا الشغل. فقال جانشاه: سمعًا وطاعةً. فأمر التاجر عبيده أن يأتوا ببغلتين، فأتوه ببغلتين، فركب بغلة وأمر جانشاه أن يركب البغلة الثانية فركبها، ثم إن جانشاه والتاجر سارَا من وقت الصباح إلى وقت الظهر حتى وصلا إلى جبلٍ عالٍ ما له حدٌّ في العلوِّ، فنزل التاجر من فوق ظهر البغلة، وأمر جانشاه أن ينزل، فنزل جانشاه، ثم إن التاجر ناول جانشاه سكينًا وحبلًا، وقال له: أريد منك أن تذبح هذه البغلة. فشمر جانشاه ثيابه، وأتى إلى البغلة، ووضع الحبل في أربعتها، ورماها على الأرض، وأخذ السكين وذبحها وسلخها، وقطع أربعتها ورأسها، وصارت كوم لحم؛ فقال له التاجر: أمرتك أن تشقَّ بطنها وتدخل فيه وأخيط عليك، وتقعد هناك ساعة من الزمان، ومهما تراه في بطنها فأخبرني به. فشقَّ جانشاه بطن البغلة ودخله، وخاطه عليه التاجر، ثم تركه وبَعُدَ عنه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.