فلما كانت الليلة ٥٠٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن التاجر لما خاط بطن البغلة على جانشاه، تركه وبَعُدَ عنه، واستخفى في ذيل الجبل، وبعد ساعة نزل على البغلة طائر عظيم فاختطفها وطار، ثم حطَّ بها أعلى الجبل، وأراد أن يأكلها، فحسَّ جانشاه بالطائر، فشقَّ بطن البغلة وخرج منها، فجفل الطائر لما رأى جانشاه، وطار وراح إلى حال سبيله، فقام جانشاه على قدمَيْه وصار ينظر يمينًا وشمالًا، فلم يَرَ أحدًا إلا رجالًا ميتة يابسة من الشمس، فلما رأى ذلك قال في نفسه: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم إنه نظر إلى أسفل الجبل، فرأى التاجر واقفًا تحت الجبل ينظر إلى جانشاه، فلما رآه قال له: ارمِ لي من الحجارة التي حولك حتى أدلك على طريقٍ تنزل منها. فرمى جانشاه من تلك الحجارة نحو مائتَيْ حجر، وكانت تلك الحجارة من الياقوت والزبرجد والجواهر الثمينة، ثم إن جانشاه قال للتاجر: دلَّني على الطريق، وأنا أرمي لك مرة أخرى. فلمَّ التاجر تلك الحجارة، وحملها على البغلة التي كان راكبها، وسار ولم يردَّ له جوابًا، وبقي جانشاه فوق الجبل وحده، فصار يستغيث ويبكي، ثم مكث فوق الجبل ثلاثة أيام، وبعد الثلاثة أيام قام وسار في عرض الجبل مدة شهرين وهو يأكل من أعشاب الجبل، وما زال سائرًا حتى وصل في سيره إلى طرف الجبل، فلما وصل إلى ذيل الجبل رأى واديًا على بُعْدٍ، وفيه أشجار وأثمار وأطيار تسبِّح الله الواحد القهار.
فلما رأى جانشاه ذلك الوادي فرح فرحًا شديدًا، فقصده، ولم يزل ماشيًا ساعة من الزمان حتى وصل إلى شرم في الجبل ينزل منه السيل، فنزل منه، وسار حتى وصل إلى الوادي الذي رآه وهو على الجبل، فنزل الوادي وصار يتفرج فيه يمينًا وشمالًا، وما زال يمشي ويتفرج حتى وصل إلى قصرٍ عالٍ شاهق في الهواء، فتقرَّبَ جانشاه من ذلك القصر حتى وصل إلى بابه، فرأى شيخًا مليح الهيئة، يلمع النور من وجهه، وبيده عكاز من الياقوت، وهو واقف على باب القصر، فتمشَّى جانشاه حتى قرب منه وسلَّم عليه، فردَّ عليه السلام ورحَّبَ به، وقال له: اجلس يا ولدي. فجلس جانشاه على باب ذلك القصر، ثم إن الشيخ سأله وقال له: من أين أتيت إلى هذه الأرض؟ وابن آدم ما داسها قطُّ، وإلى أين رائح؟ فلما سمع جانشاه كلام الشيخ بكى بكاءً شديدًا من كثرة ما قاساه، وخنقه البكاء، فقال له الشيخ: يا ولدي، اترك البكاء، فقد أوجعتَ قلبي. ثم قام الشيخ وأتى له بشيء من الأكل وحطه قدامه، وقال له: كُلْ من هذا. فأكل جانشاه حتى اكتفى، وحمد الله تعالى. ثم إن الشيخ بعد ذلك سأل جانشاه، وقال له: يا ولدي، أريد منك أن تحكي لي حكايتك، وتخبرني بما جرى لك. فحكى له حكايته، وأخبره بجميع ما جرى له من أول الأمر إلى أن وصل إليه؛ فلما سمع كلامه تعجب منه عجبًا شديدًا، فقال جانشاه للشيخ: أريد منك أن تخبرني بصاحب هذا الوادي، ولمَن هذا القصر العظيم؟ فقال الشيخ لجانشاه: اعلم يا ولدي أن هذا الوادي وما فيه، وذلك القصر وما حواه، للسيد سليمان بن داود عليهما السلام، وأنا اسمي الشيخ نصر ملك الطيور، واعلم أن السيد سليمان وكَّلَني بهذا القصر. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.