فلما كانت الليلة ٥١٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن السيدة شمسة قالت لجانشاه: احكِ لي ما جرى لك. فحكى لها جميع ما جرى له، فلما سمعت السيدة منه ذلك الكلام، تنهَّدَتْ وقالت له: يا سيدي، إذا كنتَ مغرمًا بي، فأَعْطِني ثيابي حتى ألبسها وأروح أنا وأخواتي إلى أهلي، وأُعلِمهم بما جرى لك في محبتي، ثم أرجع إليك وأحملك إلى بلادك. فلما سمع جانشاه منها هذا الكلام بكى بكاءً شديدًا وقال لها: أيحلُّ لكِ من الله أن تقتليني ظلمًا؟ فقالت له: يا سيدي، بأي سبب أقتلك ظلمًا؟ فقال لها: لأنك متى لبست ثيابك ورحت من عندي، فإني أموت من وقتي. فلما سمعت السيدة شمسة كلامه ضحكت وضحك أخواتها، ثم قالت له: طِبْ نفسًا وقرَّ عينًا، فلا بد أن أتزوج بك. ومالت عليه، وعانقته وضمَّتْه إلى صدرها، وقبَّلَتْه بين عينيه وفي خده، وتعانَقَتْ هي وإياه ساعةً من الزمان، ثم افترقَا وجلسَا فوق ذلك التخت، فقامت أختها الكبيرة، وخرجت من القصر إلى البستان، فأخذت شيئًا من الفواكه والمشموم وأتت به إليهم، فأكلوا وشربوا وتلذَّذوا وطربوا وضحكوا ولعبوا، وكان جانشاه بديع الحُسْن والجمال، رشيق القد والاعتدال، فقالت له السيدة شمسة: يا حبيب، والله أنا أحبك محبة عظيمة، وما بقيت أفارقك أبدًا. فلما سمع جانشاه كلامها انشرح صدره، وضحك سنه، واستمروا يضحكون ويلعبون.
فبينما هم في حظ وسرور، وإذا بالشيخ نصر قد أتى من ملاقاة الطيور، فلما أقبل عليهم نهض الجميع إليه قائمين على أقدامهم، وسلَّموا عليه وقبَّلوا يديه، فرحَّبَ بهم الشيخ نصر، وقال لهم: اجلسوا. فجلسوا، ثم إن الشيخ نصر قال للسيدة شمسة: إن هذا الشاب يحبك محبة عظيمة، فبالله عليك أن تتوصِّي به، فإنه من أكابر الناس، ومن أبناء الملوك، وأبوه يحكم على بلاد كابل، وقد حوى ملكًا عظيمًا. فلما سمعت السيدة شمسة كلام الشيخ نصر قالت له: سمعًا وطاعةً لأمرك. ثم إنها قبَّلَتْ يدَيِ الشيخ نصر ووقفت قدامه، فقال لها الشيخ نصر: إنْ كنتِ صادقةً في قولك، فاحلفي لي بالله إنك لا تخونينه ما دمتِ على قيد الحياة. فحلفت يمينًا عظيمًا أنها لا تخونه أبدًا، ولا بد أن تتزوَّج به، وبعد أن حلفت قالت: اعلم يا شيخ نصر أني لا أفارقه أبدًا. فلما حلفت السيدة شمسة للشيخ نصر صدَّقَ يمينها، وقال لجانشاه: الحمد لله الذي وفَّقَ بينك وبينها. ففرح جانشاه بذلك فرحًا شديدًا، ثم قعد جانشاه هو والسيدة شمسة عند الشيخ نصر مدة ثلاثة أشهر في أكل وشرب ولعب وضحك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.