فلما كانت الليلة ٥١٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن جانشاه هو والسيدة شمسة قعدا عند الشيخ نصر ثلاثة أشهر في أكل وشرب ولعب وحظٍّ عظيم، وبعد الثلاثة أشهر قالت السيدة شمسة لجانشاه: إني أريد أن نروح إلى بلادك وتتزوج بي ونقيم فيها. فقال لها: سمعًا وطاعةً. ثم إن جانشاه شاوَرَ الشيخ نصر وقال له: إننا نريد أن نروح إلى بلادي. وأخبره بما قالته السيدة شمسة، فقال لهما الشيخ نصر: اذهبَا إلى بلادك، وتوصَّ بها. فقال جانشاه: سمعًا وطاعةً. ثم إنها طلبت ثوبها، وقالت: يا شيخ نصر، مُرْه أن يعطيني ثوبي حتى ألبسه. فقال له: يا جانشاه، أَعْطِها ثيابها. فقال: سمعًا وطاعةً. ثم قام بسرعة ودخل القصر وأتى بثوبها، وأعطاه لها، فأخذته منه ولبسته، وقالت لجانشاه: اركب فوق ظهري، وغمض عينَيْك، وسدَّ أذنيك حتى لا تسمع دوي الفلك الدوَّار، وأمسك في ثوبي الريش وأنت على ظهري بيدَيْك، واحترِسْ على نفسك من الوقوع.
فلما سمع جانشاه كلامها ركب على ظهرها، ولما أرادت الطيران قال لها الشيخ نصر: قفي حتى أصف لك بلاد كابل خوفًا عليكما أن تغلطَا في الطريق. فوقفت حتى وصف لها البلاد، وأوصاها بجانشاه، ثم ودَّعَهما، وودَّعَتِ السيدة شمسة أختَيْها، وقالت لهما: روحَا إلى أهلكما؛ أَعْلِماهم بما جرى لي مع جانشاه. ثم إنها طارت من وقتها وساعتها، وصارت في الجو مثل هبوب الريح والبرق اللائح، وبعد ذلك طارت أختاها وذهبتا إلى أهلهما، وأعلماهم بما جرى للسيدة شمسة مع جانشاه، ومن حين طارت السيدة شمسة لم تزل طائرة من وقت الضحى إلى وقت العصر، وجانشاه راكب على ظهرها، وفي وقت العصر لاح لها على بُعْد وادٍ ذو أشجار وأنهار، فقالت لجانشاه: قصدي أن ننزل في هذا الوادي لنتفرج على ما فيه من الأشجار والنباتات هذه الليلة. فقال لها جانشاه: افعلي ما تريدين. فنزلت من الجو، وحطت في ذلك الوادي، ونزل جانشاه من فوق ظهرها، وقبَّلَها بين عينَيْها، ثم جلسَا بجانب نهرٍ ساعةً من الزمان، وبعد ذلك قامَا على قدميهما، وصارَا دائرين في الوادي يتفرجان على ما فيه، ويأكلان من تلك الأثمار، ولم يزالا يتفرجان في الوادي إلى وقت المساء، ثم أتيَا إلى شجرة وناما عندها إلى الصباح. ثم قامت السيدة شمسة وأمرت جانشاه أن يركب على ظهرها، فقال جانشاه: سمعًا وطاعةً. ثم ركب على ظهرها وطارت به من وقتها وساعتها، ولم تزل طائرة من الصبح إلى وقت الظهر.
فبينما هما سائران إذ نظرَا الأمارات التي أخبرهما بها الشيخ نصر، فلما رأت السيدة شمسة تلك الأمارات، نزلت من أعلى الجو إلى مرجٍ فسيحٍ ذي زرع مليح، فيه غزلان راتعة، وعيون نابعة، وأثمار يانعة، وأنهار واسعة، فلما نزلت في ذلك المرج نزل جانشاه من فوق ظهرها، وقبَّلَها بين عينَيْها، فقالت له: يا حبيبي وقرة عيني، أتدري ما المسافة التي سرناها؟ قال: لا. قالت: مسافة ثلاثين شهرًا. فقال لها جانشاه: الحمد لله على السلامة. ثم جلس وجلست بجانبه، وقعدَا في أكل وشرب ولعب وضحك. فبينما هما في هذا الأمر إذ أقبَلَ عليهما مملوكان؛ أحدهما الذي كان عند الخيل لما نزل جانشاه في مركب الصياد، والثاني من المماليك الذين كانوا معه في الصيد والقنص؛ فلما رأيَا جانشاه عرفاه، وسلَّمَا عليه، وقالا له: عن إذنك نتوجَّه إلى والدك، ونبشِّرُه بقدومك. فقال لهما جانشاه: اذهبا إلى أبي، وأعلماه بذلك، وَأْتِيَانا بالخيام، ونحن نقعد في هذا المكان سبعة أيام لأجل الراحة؛ حتى يجيء الموكب لملاقاتنا، وندخل في موكب عظيم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.