فلما كانت الليلة ٥١٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن جانشاه قال للمملوكَيْن: اذهبَا إلى أبي، وأعلمَاه بي، وَأْتِيَانا بالخيام، ونحن نقعد في هذا المكان سبعة أيام لأجل الراحة حتى يجيء الموكب لملاقاتنا، وندخل في موكب عظيم. فركب المملوكان خيلهما، وذهبا إلى أبيه وقالا له: البشارة يا ملك الزمان. فلما سمع الملك طيغموس كلامَ المملوكين، قال لهما: بأي شيء تبشِّراني؟ هل قَدِمَ ابني جانشاه؟ فقالا: نعم، إن ابنك جانشاه أتى من غيبته، وهو بالقرب منك في مرج الكراني. فلما سمع الملك كلام المملوكين، فرح فرحًا شديدًا ووقع مغشيًّا عليه من شدة الفرح، فلما أفاق أمر وزيره أن يخلع على المملوكين كل واحد خلعة نفيسة، ويعطي كل واحد منهما قدرًا من المال، فقال له الوزير: سمعًا وطاعةً. ثم قام من وقته، وأعطى المملوكين ما أمره به الملك، وقال لهما: خذَا هذا المال في نظير البشارة التي أتيتما بها، سواء أكذبتما أم صدقتما. فقالا المملوكان: نحن ما نكذب، وكنَّا في هذا الوقت قاعدَيْن عنده، وسلَّمْنا عليه، وقبَّلْنا يديه، وأمَرَنا أن نأتي له بالخيام، وهو يقعد في مرج الكراني سبعة أيام حتى تذهب الأمراء والوزراء وأكابر الدولة لملاقاته. ثم إن الملك قال لهما: كيف حال ولدي؟ فقالا له: إن ولدك معه حورية كأنه خرج بها من الجنة. فلما سمع الملك ذلك الكلام أمر بدق الكاسات والبوقات، فدقت البشائر، وأرسل الملك طيغموس المبشِّرين في جهات المدينة ليبشِّروا أمَّ جانشاه، ونساء الأمراء والوزراء، وأكابر الدولة؛ فانتشر المبشِّرون في المدينة، وأعلَمُوا أهلها بقدوم جانشاه، ثم تجهَّزَ الملك طيغموس بالعساكر والجيوش وتوجَّهَ إلى مرج الكراني.
فبينما جانشاه جالس والسيدة شمسة بجانبه، وإذا بالعساكر قد أقبلَتْ عليهما، فقام جانشاه على قدميه، وتمشَّى حتى قَرُبَ منهم، فلما رأته العساكر عرفوه، ونزلوا عن خيلهم، وترجَّلوا إليه، وسلَّموا عليه، وقبَّلوا يدَيْه، وما زال جانشاه سائرًا والعساكر قدامه واحدًا بعد واحد، حتى وصل إلى أبيه، فلما نظر الملك طيغموس ولده، رمى نفسه عن ظهر الفرس وحضنه، وبكى بكاءً شديدًا، ثم ركب وركب ابنه، والعساكر عن يمينه وشماله، وما زالوا سائرين حتى أتوا إلى جانب النهر، فنزلت العساكر والجيوش، ونصبوا الخيام والصواوين والبيارق، ودُقَّتِ الطبول، وزمرت الزمور، وضُرِبت الكاسات، وزعقت البوقات. ثم إن الملك طيغموس أمر الفراشين أن يأتوا بخيمة من الحرير الأحمر، وينصبوها للسيدة شمسة، ففعلوا ما أمرهم به، وقامت السيدة شمسة وقلعت ثوبها الريش، وتمشت حتى وصلت إلى تلك الخيمة وجلست فيها. فبينما هي جالسة، وإذا بالملك طيغموس وابنه جانشاه بجانبه أقبلَا عليها، فلما رأت السيدة شمسة الملك طيغموس قامت على قدمَيْها، وقبَّلَتِ الأرضَ بين يدَيْه، ثم جلس الملك، وأخذ ولده جانشاه عن يمينه، والسيدة شمسة عن شماله، ورحَّبَ بالسيدة شمسة، وسأل ابنه جانشاه وقال له: أخبرني بالذي وقع لك في هذه الغيبة. فحكى له جميع ما جرى من الأول إلى الآخِر، فلما سمع الملك من ابنه هذا الكلام، تعجَّبَ عجبًا شديدًا، والتفت إلى السيدة شمسة وقال: الحمد لله الذي وفَّقَكِ حتى جمعتِ بيني وبين ابني، إن هذا لَهُوَ الفضل العظيم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.