فلما كانت الليلة ٥١٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك طيغموس قال للسيدة شمسة: الحمد لله الذي وفَّقكِ حتى جمعتِ بيني وبين ولدي، إن هذا لَهُوَ الفضل العظيم، ولكن أريد منكِ أن تتمني عليَّ ما تشتهينه حتى أفعله إكرامًا لكِ. فقالت له السيدة شمسة: تمنَّيْتُ عليك عمارة قصر في وسط بستان، والماء يجري من تحته. فقال: سمعًا وطاعةً. فبينما هما في الكلام، وإذا بأم جانشاه أقبلت ومعها جميع نساء الأمراء والوزراء، ونساء أكابر المدينة جميعًا، فلما رآها ولدُها جانشاه خرج من الخيمة وقابلها، وتعانَقَا ساعةً من الزمان، ثم إن أمه من فرط الفرح أجرت دمع العين، وأنشدت هذين البيتين:
ثم شكيَا لبعضهما ما قاسياه من البُعْد وألم الشوق، ثم انتقل والده إلى خيمته، وانتقل جانشاه هو وأمه إلى خيمته، وجلسَا يتحدثان مع بعضهما، فبينما هما جالسان إذ أقبل المبشِّرون بقدوم السيدة شمسة، وقالوا لأم جانشاه: إن شمسة أتَتْ إليكِ وهي ماشية تريد أن تسلِّم عليك. فلما سمعت أم جانشاه هذا الكلام، قامت على قدمَيْها وقابلتها وسلَّمت عليها، وقعدتا ساعة من الزمان، ثم قامت أم جانشاه مع السيدة شمسة، وسارت هي وإياها ونساء الأمراء وأرباب الدولة، وما زلن سائرات حتى وصلن خيمة السيدة شمسة، فدخلنها وجلسن فيها. ثم إن الملك طيغموس أجزل العطايا، وأكرم الرعايا، وفرح بابنه فرحًا شديدًا، ومكثوا في ذلك المكان مدة عشرة أيام في أكل وشرب، وأهنى عيش، وبعد ذلك أمر الملك عساكره أن يرحلوا، ويتوجهوا إلى المدينة، ثم ركب الملك وركبت حوله العساكر والجيوش، وسارت الوزراء والحجاب عن يمينه وعن شماله، وما زالوا سائرين حتى دخلوا المدينة، وذهبت أم جانشاه هي والسيدة شمسة إلى منزلهم، وتزيَّنَتِ المدينة بأحسن زينة، ودقَّتِ البشائر والكاسات، وزوَّقوا المدينة بالحلي والحلل، وفرشوا نفيس الديباج تحت سنابك الخيل، وفرح أرباب الدولة وأظهروا التحف، وانبهر المتفرجون، وأطعموا الفقراء والمساكين، وعملوا فرحًا عظيمًا مدة عشرة أيام، وفرحت السيدة شمسة فرحًا شديدًا لما رأت ذلك.
ثم إن الملك طيغموس أرسل إلى البنَّائين والمهندسين وأرباب المعرفة، وأمرهم أن يعملوا له قصرًا في ذلك البستان، فأجابوه بالسمع والطاعة، وشرعوا في تجهيز ذلك القصر؛ ثم إنهم أتموه على أحسن حال، وحين علم جانشاه بصدور الأمر ببناء القصر، أمر الصنَّاع أن يأتوا بعمودٍ من الرخام الأبيض، وأن ينقروه ويجوفوه، ويجعلوه على صورة صندوق، ففعلوا ما أمرهم به. ثم إن جانشاه أخذ ثوب السيدة شمسة الذي تطير به، وحطَّه في ذلك العمود، ودفنه في أساس القصر، وأمر البنَّائين أن يبنوا فوقه القناطر التي عليها القصر، ولما تمَّ القصر فرشوه، وصار قصرًا عظيمًا في وسط ذلك البستان، والأنهار تجري من تحته. ثم إن الملك طيغموس بعد ذلك عمل عرس جانشاه في تلك المدة، وصار فرحًا عظيمًا لم يَبْقَ له نظير، وزفوا السيدة شمسة إلى جانشاه، وذهب كل واحد منهم إلى حال سبيله. ولما دخلت السيدة شمسة في ذلك القصر، شمَّتْ رائحةَ ثوبها الريش. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.