فلما كانت الليلة ٥١٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السيدة شمسة لما دخلت ذلك القصر شمَّتْ رائحةَ ثوبها الريش الذي تطير به، وعرفت مكانه، وأرادت أخذه، فصبرت إلى نصف الليل حتى استغرق جانشاه في النوم، ثم قامت وتوجَّهَتْ إلى العمود الذي عليه القناطر، وحفرت بجانبه حتى وصلت إلى العمود الذي فيه الثوب، وأزالت الرصاص الذي كان مسبوكًا عليه، وأخرجت الثوب منه، ولبسته وطارت من وقتها، وجلست على أعلى القصر، وقالت لهم: أريد منكم أن تحضروا إليَّ جانشاه حتى أودِّعه. فأخبروا جانشاه بذلك، فذهب إليها فرآها فوق سطح القصر، وهي لابسة ثوبها الريش، فقال لها: كيف فعلتِ هذه الفعال؟ فقالت له: يا حبيبي، وقرة عيني، وثمرة فؤادي، والله إني أحبك محبةً عظيمةً، وقد فرحتُ فرحًا شديدًا حيث أوصلتُك إلى أرضك وبلادك، ورأيت أمك وأباك، فإن كنتَ تحبني كما أحبك فتعالَ عندي إلى قلعة جوهر تكني. ثم طارت من وقتها وساعتها، ومضت إلى أهلها.
فلما سمع جانشاه كلام السيدة شمسة وهي فوق سطح القصر، كاد يموت من الجزع، ووقع مغشيًّا عليه، فمضوا إلى أبيه وأعلموه بذلك، فركب أبوه وتوجَّهَ إلى القصر، ودخل على ولده فرآه مطروحًا على الأرض، فبكى الملك طيغموس، وعلم أن ابنه مغرم بحب السيدة شمسة، فرَشَّ على وجهه ماء ورد، فأفاق، فرأى أباه عند رأسه، فبكى من فراق زوجته، فقال له أبوه: ما الذي جرى لك يا ولدي؟ فقال: اعلم يا أبي أن السيدة شمسة من بنات الجان، وأنا أحبها ومُغرَم بها، وقد عشقت جمالها، وكان عندي ثوب لها وهي ما تقدر أن تطير بدونه، وقد كنت أخذت ذلك الثوب وأخفيته في عمود على هيئة الصندوق، وسبكت عليه الرصاص، ووضعته في أساس القصر، فحفرت ذلك الأساس وأخذته، ولبسته وطارت، ثم نزلت على سطح القصر، وقالت: إني أحبك، وقد أوصلتُك إلى أرضك وبلادك، واجتمعت بأبيك وأمك، فإنْ كنتَ أنت تحبني فتعالَ عندي في قلعة جوهر تكني. ثم طارت من سطح القصر، وراحت إلى حال سبيلها. فقال الملك طيغموس: يا ولدي، لا تحمل همًّا، فإننا نجمع أرباب التجارة والسياحين في البلاد، ونستخبرهم عن تلك القلعة، فإذا عرفناها نسير إليها ونذهب إلى أهل السيدة شمسة، ونرجو من الله تعالى أن يعطوك إياها وتتزوج بها.
ثم خرج الملك من وقته وساعته، وأمر وزراءه الأربعة، وقال لهم: اجمعوا كلَّ مَن في المدينة من التجار والمسافرين، واسألوهم عن قلعة جوهر تكني، وكل مَن عرفها ودلَّ عليها، فإني أعطيه خمسين ألف دينار. فلما سمع الوزراء ذلك الكلام قالوا له: سمعًا وطاعةً. ثم ذهبوا من وقتهم وساعتهم، وفعلوا ما أمرهم به الملك، وصاروا يسألون التجار والسياحين في البلاد عن قلعة جوهر تكني، فما أخبرهم بها أحد، فأتوا الملك وأخبروه بذلك؛ فلما سمع الملك كلامهم قام من وقته وساعته، وأمر أن يأتوا لابنه جانشاه من السراري الحسان، والجواري ربات الآلات، والمحاظي المطربات بما لا يوجد مثله إلا عند الملوك؛ لعله يتسلَّى عن حب السيدة شمسة، فأتوه بما طلبه، ثم بعد ذلك أرسل الملك روادًا وجواسيس إلى جميع البلاد والجزائر والأقاليم ليسألوا عن قلعة جوهر تكني، فسألوا عنها مدة شهرين، فما أخبرهم بها أحد، فرجعوا إلى الملك وأعلموه بذلك؛ فبكى بكاءً شديدًا، وذهب إلى ابنه فوجده جالسًا بين السراري والمحاظي وربات آلات الطرب من الجنك والسنطير وغيرهما، وهو لا يتسلَّى بهن عن السيدة شمسة، فقال له: يا ولدي، ما وجدتُ مَن يعرف هذه القلعة، وقد أتيتُك بأجمل منها. فلما سمع جانشاه ذلك الكلام بكى، وأفاض دمع العين، وأنشد هذين البيتين:
ثم إن الملك طيغموس كان بينه وبين ملك الهند عداوة عظيمة؛ فإن الملك طيغموس كان عدا عليه وقتل رجاله وسلب أمواله، وكان ملك الهند يقال له الملك كفيد، وله جيوش وعساكر وأبطال، وكان له ألف بهلوان، كل بهلوان منهم يحكم على ألف قبيلة، وكل قبيلة من تلك القبائل تشمل على أربعة آلاف فارس، وكان عنده أربعة وزراء، وتحته ملوك وأكابر وأمراء، وجيوش كثيرة، وكان يحكم على ألف مدينة، لكل مدينة ألف قلعة، وكان ملكًا عظيمًا، شديد البأس، وعساكره قد ملأت جميع الأرض. فلما علم الملك كفيد ملك الهند أن الملك طيغموس اشتغل بحب ابنه، وترك الحكم والملك، وقلَّتْ من عنده العساكر، وصار في همٍّ ونكدٍ بسبب اشتغاله بحب ابنه، جمع الوزراء والأمراء وأرباب الدولة، وقال لهم: أَمَا تعلمون أن الملك طيغموس قد هجم على بلادنا، وقتل أبي وإخوتي، ونهب أموالنا، وما منكم أحد إلا وقد قتل له قريبًا، وأخذ له مالًا، ونهب رزقه، وأسَرَ أهله، وإني سمعت اليوم أنه مشغول بحب ابنه جانشاه، وقد قلَّتْ من عنده العساكر، وهذا وقت أخذ ثأرنا منه، فتأهَّبوا للسفر إليه، وجهِّزوا آلات الحرب للهجوم عليه، ولا تتهاونوا في هذا الأمر، بل نسير إليه ونهجم عليه، ونقتله هو وابنه، ونملك بلاده. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.