فلما كانت الليلة ٥١٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك كفيد ملك الهند أمر جيوشه وعساكره أن يركبوا على بلاد الملك طيغموس، وقال لهم: تأهبوا للسفر، وجهزوا آلات الحرب للهجوم عليه، ولا تتهاونوا في هذا الأمر، بل نسير إليه ونهجم عليه ونقتله هو وابنه، ونملك بلاده. فلما سمعوا منه ذلك الكلام قالوا: سمعًا وطاعة. وأخذ كل واحد منهم في تجهيز عدته، واستمروا في تجهيز العدد والسلاح، وجمع العساكر ثلاثة أشهر، ولما تكاملت العساكر والجيوش والأبطال دقوا الكاسات، ونفخوا في البوقات، ونصبوا البيارق والرايات، ثم إن الملك كفيد خرج بالعساكر والجيوش، وسار حتى وصل إلى أطراف بلاد كابل، وهي بلاد الملك طيغموس، ولما وصلوا إلى تلك البلاد نهبوها، وفسقوا في الرعية، وذبحوا الكبار، وأسروا الصغار، فوصل الخبر إلى الملك طيغموس، فلما سمع بذلك الخبر اغتاظ غيظًا شديدًا، وجمع أكابر دولته، ووزراءه وأمراء مملكته، وقال لهم: اعلموا أن كفيد قد أتى ديارنا، ونزل بلادنا، ويريد قتالنا، ومعه جيوش وأبطال وعساكر لا يعلم عددهم إلا الله تعالى، فما الرأي عندكم؟ فقالوا له: يا ملك الزمان، الرأي عندنا أننا نخرج إليه ونقاتله، ونرده عن بلادنا. فقال لهم الملك طيغموس: تجهَّزوا إلى القتال. ثم أخرج لهم من الزرد والدروع، والخوذ والسيوف، وجميع آلات الحرب، ما يردي الأبطال، ويتلف صناديد الرجال، فاجتمعت العساكر والجيوش والأبطال وتجهزوا للقتال، ونصبوا الرايات ودُقَّت الكاسات ونُفِخ في البوقات، وضُرِبت الطبول وزمرت الزمور، وسار الملك طيغموس بعساكره إلى ملاقاة الملك كفيد، وما زال الملك طيغموس سائرًا بالعساكر والجيوش حتى قربوا من الملك كفيد، ثم نزل الملك طيغموس على وادٍ يقال له وادي زهران، وهو في أطراف بلاد كابل.
ثم إن الملك طيغموس كتب كتابًا وأرسله مع رسول من عسكره إلى الملك، مضمونه: «أما بعد، فالذي نعلم به الملك كفيد أنك ما فعلت إلا فعل الأوباش، ولو كنتَ ملكًا ابن ملك ما فعلتَ هذه الفعال، ولا كنتَ تجيء بلادي، وتنهب أموال الناس، وتفسق في رعيتي؛ أَمَا علمت أن هذا كله جور منك، ولو علمت بأنك تتجارى على مملكتي لَكنتُ أتيتُ قبل مجيئك بمدة، ومنعتك عن بلادي، ولكن إنْ رجعتَ وتركتَ الشر بيننا وبينك فبها نعمت، وإن لم ترجع فابرز إليَّ في حومة الميدان، وتجلَّدَ لديَّ في موقف الحرب والطعان.» ثم إنه ختم الكتاب وسلَّمَه لرجل عامل من عسكره، وأرسل معه جواسيس يتجسَّسون له على الأخبار. ثم إن الرجل أخذ الكتاب وسار به حتى وصل إلى الملك كفيد، فلما قرب من مكانه رأى خيامًا منصوبة على بُعْد، وهي مصنوعة من الحرير الأطلس، ورأى رايات من الحرير الأزرق، ورأى بين الخيام خيمة عظيمة من الحرير الأحمر، وحول تلك الخيمة عسكر عظيم، وما زال سائرًا حتى وصل إلى تلك الخيمة، فسأل عنها فقيل له: إنها خيمة الملك كفيد. فنظر الرجل إلى وسط الخيمة، فرأى الملك كفيد جالسًا على كرسي مرصَّع بالجواهر، وعنده الوزراء والأمراء وأرباب الدولة؛ فلما رأى ذلك أظهر الكتاب في يده، فذهب إليه جماعة من عسكر الملك كفيد وأخذوا الكتاب منه، وأتوا به أمام الملك، فأخذه الملك، فلما قرأه وعرف معناه، كتب له جوابًا مضمونه: «أما بعد، فالذي نعلم به الملك طيغموس أنه لا بد من أننا نأخذ الثأر، ونكشف العار، ونخرب الديار، ونهتك الأستار، ونقتل الكبار، ونأسر الصغار، وفي غدٍ أبرز إلى القتال في الميدان حتى أريك الحرب والطعان.» ثم ختم الكتاب وسلَّمَه لرسول الملك طيغموس، فأخذه وسار. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.