فلما كانت الليلة ٥١٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك كفيد سلَّمَ جواب الكتاب الذي أرسله إليه الملك طيغموس لرسوله، فأخذه ورجع، فلما وصل إليه قبَّلَ الأرض بين يدَيْه، ثم أعطاه الكتاب، وأخبره بما رآه، وقال له: يا ملك، إني رأيتُ فرسانًا وأبطالًا ورجالًا لا يُحصَى لهم عدد، ولا ينقطع لهم مدد. فلما قرأ الكتاب وفهم معناه، غضب غضبًا شديدًا، وأمر وزيره عين زار أن يركب ومعه ألف فارس، ويهجم على عسكر الملك كفيد في نصف الليل، وأن يخوضوا فيهم ويقتلوهم؛ فقال له الوزير عين زار: سمعًا وطاعة. ثم ركب وركبت معه العساكر والجيوش، وساروا نحو الملك كفيد، وكان للملك كفيد وزيرٌ يقال له غطرفان، فأمره أن يركب ويأخذ معه خمسة آلاف فارس، ويذهب بهم إلى عسكر الملك طيغموس، ويهجموا عليهم ويقتلوهم، فركب الوزير غطرفان، وفعل ما أمره به الملك كفيد، وسار بالعسكر نحو الملك طيغموس، وما زالوا سائرين إلى نصف الليل حتى قطعوا نصف الطريق، فإذا الوزير غطرفان وقع في الوزير عين زار، فصاحت الرجال على الرجال، ووقع بنيهم شديد القتال، وما زال يقاتل بعضهم بعضًا إلى وقت الصباح.
فلما أصبح الصباح، انهزمت عساكر الملك كفيد، وولَّوْا هاربين إليه، فلما رأى ذلك غضب غضبًا شديدًا، وقال لهم: يا ويلكم، ما الذي أصابكم حتى فقدتم أبطالكم؟ فقالوا له: يا ملك الزمان، إنه لما ركب الوزير غطرفان، وسرنا نحو الملك طيغموس، لم نزل سائرين إلى أن نصفنا الليل، وقطعنا نصف الطريق، فقابلنا عين زار وزير الملك طيغموس، وأقبل علينا ومعه جيوش وأبطال، وكانت المقابلة بجنب وادي زهران، فما نشعر إلا ونحن في وسط العسكر، ووقعت العين على العين، وقاتلنا قتالًا شديدًا من نصف الليل إلى الصباح، وقد قُتِل خلق كثير، وصار الوزير عين زار يصيح في وجه الفيل ويضربه، فيجفل الفيل من شدة الضربة، ويدوس الفرسان، ويولي هاربًا، وما بقي أحد ينظر أحدًا من كثرة ما يطير من الغبار، وصار الدم يجري كالتيار، ولولا أننا أتينا هاربين لكنَّا قُتِلنا عن آخرنا.
فلما سمع الملك كفيد هذا الكلام، قال: لا باركت فيكم الشمس، بل غضبت عليكم غضبًا شديدًا. ثم إن الوزير عين زار رجع إلى الملك طيغموس، وأخبره بذلك، فهنَّأه الملك طيغموس بالسلامة، وفرح فرحًا شديدًا، وأمر بدق الكاسات، والنفخ في البوقات، ثم تفقَّدَ عسكره، فإذا هم قد قُتِل منهم مائتا فارس من الشجعان الشداد. ثم إن الملك كفيد هيَّأ عسكره وجنوده وجيوشه وأتى الميدان، واصطفوا صفًّا بعد صف، فكمَّلوا خمسة عشر صفًّا، كل صف عشرة آلاف فارس، وكان معه ثلاثمائة بهلوان يركبون على الأفيال، وقد انتخب الأبطال وصناديد الرجال، ونصب البيارق والرايات، ودُقَّت الكاسات، ونُفِخ في البوقات، وبرز الأبطال طالبين القتال؛ وأما الملك طيغموس فإنه صفَّ عسكره صفًّا بعد صف، فإذا هم عشرة صفوف، في كل صف عشرة آلاف فارس، وكان معه مائة بهلوان يركبون عن يمينه وشماله، ولما اصطفت الصفوف تقدَّمَ كل فارس موصوف، وتصادمت الجيوش، وضاق رحب الأرض عن الخيل، وضُربت الطبول، وزمرت الزمور، ودُقت الكاسات، ونُفخ في البوقات، وصاح النفير، وصُمَّت الآذان من صهيل الخيل في الميدان، وصاحت الرجال بأصواتهم، وانعقد الغبار على رءوسهم، واقتتلوا قتالًا شديدًا من أول النهار إلى أن أقبل الظلام، ثم افترقوا وذهبت العساكر إلى منازلهم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.