فلما كانت الليلة ٥١٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن العساكر افترقوا وذهبوا إلى منازلهم، فتفقَّدَ الملك كفيد عسكره، فإذا هم قد قُتِل منهم خمسة آلاف، فغضب غضبًا شديدًا، وتفقَّدَ الملك طيغموس عسكره فإذا هم قد قُتِل منهم ثلاثة آلاف فارس من خواص شجعانه، فلما رأى ذلك غضب غضبًا شديدًا. ثم إن الملك كفيد برز إلى الميدان ثانيًا، وفعل كما فعل أول مرة، وكل واحد منهما يطلب النصر لنفسه، وصاح الملك كفيد على عسكره، وقال: هل فيكم مَن يبرز إلى الميدان، ويفتح لنا باب الحرب والطعان؟ فإذا بطلٌ يقال له بركيك، قد أقبل راكبًا على فيل، وكان بهلوانًا عظيمًا، ثم تقدَّمَ ونزل من فوق ظهر الفيل، وقبَّلَ الأرض بين يدَيِ الملك كفيد، واستأذنه في البراز، ثم ركب الفيل وساقه إلى الميدان، وصاح وقال: هل من مبارز؟ هل من مناجز؟ هل من مقاتل؟ فلما سمع ذلك الملك طيغموس التفت إلى عسكره، وقال لهم: مَن يبرز إلى هذا البطل منكم؟ فإذا فارس قد برز من بين الصفوف راكبًا على جواد عظيم الخلقة، وسار حتى أقبل على الملك طيغموس، وقبَّلَ الأرض قدامه، واستأذنه في المبارزة، ثم توجَّهَ إلى بركيك، فلما أقبل عليه قال له: مَن تكون أنت حتى تستهزأ بي، وتبرز إليَّ وحدك؟ وما اسمك؟ فقال له: اسمي غضنفر بن كمخيل. فقال له بركيك: كنت أسمع بك وأنا في بلادي، فدونك والقتال بين صفوف الأبطال. فلما سمع غضنفر كلامه سحب العود الحديد من تحت فخذه، وقد أخذ بركيك السيف في يده، وتقاتَلَا قتالًا شديدًا، ثم إن بركيك ضرب غضنفر بالسيف فأتت الضربة في خوذته، ولم يصبه منها ضرر، فلما رأى ذلك غضنفر، ضربه بالعود فاستوى لحمه بلحم الفيل، فأتاه شخص وقال له: مَن أنت حتى تقتل أخي؟ ثم أخذ نبلة في يده، وضرب بها غضنفر فأصابت فخذه، فسمرت الدرع فيه، فلما رأى ذلك غضنفر جرَّدَ السيف في يده، وضربه فقسمه نصفين، فنزل إلى الأرض يخور في دمه.
ثم إن غضنفر ولى هاربًا نحو الملك طيغموس، فلما رأى ذلك الملك كفيد صاح على عسكره وقال لهم: انزلوا الميدان، وقاتلوا الفرسان. ونزل الملك طيغموس بعسكره وجيوشه، وقاتلوا قتالًا شديدًا وقد صهلت الخيل على الخيل، وصاحت الرجال على الرجال، وتجرَّدَتِ السيوف، وتقدَّمَ كل فارس موصوف، وحملت الفرسان على الفرسان، وفرَّ الجبان من موقف الطعان، ودقت الكاسات، ونفخ في البوقات، فما تسمع الناس إلا ضجة صياح، وقعقعة سلاح، وهلك في ذلك الوقت من الأبطال مَن هلك، وما زالوا على هذا الحال إلى أن صارت الشمس في قبة الفلك. ثم إن الملك طيغموس انفرق بعسكره وجيوشه، وعاد لخيامه، وكذلك الملك كفيد. ثم إن الملك طيغموس تفقَّدَ رجاله فوجدهم قد قُتِل منهم خمسة آلاف فارس، وانكسرت منهم أربعة بيارق، فلما علم الملك طيغموس ذلك غضب غضبًا شديدًا؛ وأما الملك كفيد فإنه تفقَّدَ عسكره فوجدهم قد قُتِل منهم ستمائة فارس من خواص شجعانه، وانكسرت منهم تسعة بيارق، ثم ارتفع القتال من بينهم مدة ثلاثة أيام، وبعد ذلك كتب الملك كفيد كتابًا، وأرسله مع رسولٍ من عسكره إلى ملكٍ يقال له فاقون الكلب، فذهب الرسول إليه، وكان كفيد يدَّعِي أنه قريبه من جهة أمه. فلما علم الملك فاقون بذلك جمع عسكره وجيوشه، وتوجَّهَ إلى الملك كفيد. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.