فلما كانت الليلة ٥٢٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك فاقون جمع عساكره وجيوشه، وتوجَّهَ إلى الملك كفيد، فبينما الملك طيغموس جالس في حظه إذ أتاه شخص، وقال له: إني رأيت غبرة ثائرة على بُعْد قد ارتفعت إلى الجو، فأمر الملك طيغموس جماعة من عسكره أن يكشفوا عن خبر تلك الغبرة، فقالوا: سمعًا وطاعة. ثم ذهبوا ورجعوا وقالوا: أيها الملك، قد رأينا الغبرة وبعد ساعة ضربها الهواء وقطعها، وبان من تحتها بيارق، تحت كل بريق ثلاثة آلاف فارس، وساروا إلى ناحية الملك كفيد. ولما وصل الملك فاقون الكلب إلى الملك كفيد، سلَّمَ عليه وقال له: ما خبرك؟ وما هذا القتال الذي أنت فيه؟ فقال له الملك كفيد: أَمَا تعلم أن الملك طيغموس عدوي وقاتَلَ إخوتي وأبي؟ وأنا قد جئتُه لأقاتله، وآخذ بثأري منه. فقال الملك فاقون: باركت الشمس فيك. ثم إن الملك كفيد أخذ الملك فاقون الكلب وذهب به إلى خيمته، وفرح فرحًا شديدًا. هذا ما كان من أمر الملك طيغموس والملك كفيد.
حكاية جانشاه ابن الملك طيغموس
وأما ما كان من أمر الملك جانشاه، فإنه استمر شهرين وهو لم ينظر أباه، ولم يأذن بالدخول عليه لأحد من الجواري اللاتي كن في خدمته، فحصل له بذلك قلق عظيم، فقال لبعض أتباعه: ما خبر أبي حتى إنه لم يأتني؟ فأخبروه بما جرى لأبيه مع الملك كفيد، فقال: ائتوني بجوادي حتى أذهب إلى أبي. فقالوا له: سمعًا وطاعة. وأتوه بالجواد، فلما حضر جواده قال في نفسه: أنا مشغول بنفسي، فالرأي أن آخذ فرسي وأسير إلى مدينة اليهود، وإذا وصلتُ إليها يهون الله عليَّ بذلك التاجر الذي استأجرني للعمل، لعله يفعل بي مثل ما فعل أول مرة، وما يدري أحد أين تكون الخيرة! ثم إنه ركب وأخذ معه ألف فارس، وسار حتى صار الناس يقولون: إن جانشاه ذاهب إلى أبيه ليقاتل معه. وما زالوا سائرين إلى وقت المساء، ثم نزلوا في مرج عظيم، وباتوا بذلك المرج، فلما ناموا، وعلم جانشاه أن عسكره ناموا كلهم، قام في خفية وشد وسطه، وركب جواده، وسار إلى طريق بغداد؛ لأنه كان سمع من اليهود أنه تأتيهم في كل سنتين قافلة من بغداد، وقال في نفسه: إذا وصلتُ إلى بغداد أسير مع القافلة حتى أصل إلى مدينة اليهود. وصمَّمَتْ نفسه على ذلك، وسار إلى حال سبيله، فلما استيقظ العساكر من نومهم، ولم يروا جانشاه ولا جواده، ركبوا وساروا يفتشون على جانشاه يمينًا وشمالًا، فلم يجدوا له خبرًا، فرجعوا إلى أبيه وأعلموه بما فعل ابنه؛ فغضب غضبًا شديدًا، وكاد الشرار يطلع من فيه، ورمى بتاجه من فوق رأسه، وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، قد فقدتُ ولدي والعدو قبالتي. فقال له الملوك والوزراء: اصبر يا ملك الزمان، فما بعد الصبر إلا الخير. ثم إن جانشاه صار من أجل أبيه وفراقِ محبوبته حزينًا مهمومًا، جريحَ القلب، قريحَ العين، سهرانَ الليل والنهار. وأما أبوه فإنه لما علم بفَقْد جميع عساكره وجيوشه، رجع عن حرب عدوه، وتوجَّهَ إلى مدينته، ودخلها وغلق أبوابها، وحصَّنَ أسوارها، وصار هاربًا من الملك كفيد، وصار كفيد في كل شهر يجيء المدينة طالبًا القتال والخصام، ويقعد عليها سبع ليالٍ وثمانية أيام، وبعد ذلك يأخذ عسكره ويرجع بهم إلى الخيام ليداووا المجروحين من الرجال. فأما أهل مدينة الملك طيغموس، فإنهم عند انصراف العدو عنهم يشتغلون بإصلاح السلاح، وتحصين الأسوار، وتهيئة المنجنيقات، ومكث الملك طيغموس والملك كفيد على هذه الحالة سبع سنين، والحرب مستمرة بينهما. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.