فلما كانت الليلة ٥٢١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك طيغموس مكث هو والملك كفيد على هذه الحالة سبع سنين. هذا ما كان من أمرهما، وأما ما كان من أمر جانشاه، فإنه لم يزل سائرًا يقطع البراري والقفار، وكلما وصل إلى بلد من البلاد، سأل عن قلعة جوهر تكني، فلم يخبره أحد بها، وإنما يقولون له: إننا لم نسمع بهذا الاسم أصلًا. ثم إنه سأل عن مدينة اليهود، فأخبره رجل من التجار أنها في أطراف بلاد المشرق، وقال له: في هذا الشهر، سِرْ معنا إلى مدينة مزرقان وهي في الهند، ومن تلك المدينة نذهب إلى خراسان، ثم نسافر من هناك إلى مدينة شمعون، ومنها إلى خوارزم، وتبقى مدينة اليهود قريبة من خوارزم، فإن بينها وبينها مسافة سنةٍ وثلاثةِ أشهر، فصبر جانشاه حتى سافرَتِ القافلة، وسافَرَ معها إلى أن وصل إلى مدينة مزرقان، ولما دخل تلك المدينة صار يسأل عن قلعة جوهر تكني فلم يخبره بها أحد، وسافرت القافلة وسافر معها إلى الهند، ودخل المدينة وسأل عن قلعة جوهر تكني، فلم يخبره بها أحد، وقالوا له: ما سمعنا بهذا الاسم أصلًا. وقاسى في الطريق شدةً عظيمة، وأهوالًا صعبة، وجوعًا وعطشًا.
ثم سافَرَ من الهند ولم يزل مسافرًا حتى وصل إلى بلاد خراسان، وانتهى إلى مدينة شمعون، ودخلها وسأل عن مدينة اليهود، فأخبروه عنها ووصفوا له طريقها، فسافَرَ أيامًا وليالي حتى وصل إلى المكان الذي هرب فيه من القِرَدة، ثم مشى أيامًا وليالي حتى وصل إلى النهر الذي بجانب مدينة اليهود، وجلس على شاطئه، وصبر إلى يوم السبت حتى نشف بقدرة الله تعالى، فعدَّى منه وذهب إلى بيت اليهودي الذي كان فيه أول مرة، فسلَّمَ عليه هو وأهل بيته؛ ففرحوا به وأتوه بالأكل والشرب، ثم قالوا له: أين كانت غيبتك؟ فقال لهم: في ملك الله تعالى. ثم بات تلك الليلة عندهم، ولما كان الغد دارَ في المدينة يتفرَّج، فرأى مناديًا ينادي ويقول: يا معاشر الناس، مَن يأخذ ألف دينار وجارية حسنة، ويعمل عندنا شغل نصف يوم؟ فقال جانشاه: أنا أعمل هذا الشغل. فقال له المنادي: اتبعني. فتبعه حتى وصل إلى بيت اليهودي التاجر الذي وصل إليه أول مرة، ثم قال المنادي لصاحب البيت: إن هذا الولد يعمل الشغل الذي تريد. فرحَّبَ به التاجر، وقال له: مرحبًا بك، وأخذه ودخل به إلى الحريم، وأتاه بالأكل والشرب، فأكل جانشاه وشرب. ثم إن التاجر قدَّمَ له الدنانير والجارية الحسنة، وبات معها تلك الليلة، ولما أصبح الصباح أخذ الدنانير والجارية وسلَّمَها لليهودي الذي بات في بيته أول مرة، ثم رجع إلى التاجر صاحب الشغل، فركب معه وسارَا حتى وصلَا إلى جبلٍ عالٍ شاهق في العلو.
ثم إن التاجر أخرج حبلًا وسكينًا وقال لجانشاه: ارم هذه الفرس على الأرض. فرماها وكتَّفَها بالحبل، وذبحها وسلخها، وقطع قوائمها ورأسها، وشقَّ بطنها كما أمره التاجر، ثم قال التاجر لجانشاه: ادخل بطن هذا الفرس حتى أخيطه عليك، ومهما رأيته فيه فقل لي عليه، فهذا الشغل الذي أخذتَ أجرته. فدخل جانشاه بطن الفرس وخاطه عليه التاجر، ثم ذهب إلى محل بعيد عن الفرس واختفى فيه، وبعد ساعة أقبل طير عظيم ونزل من الجو، وخطف الفرس، وارتفع بها إلى عنان السماء، ثم نزل على رأس الجبل، فلما استقر على رأس الجبل أراد أن يأكل الفرس، فلما أحسَّ به جانشاه شقَّ بطن الفرس وخرج، فجفل الطير منه وطار إلى حال سبيله، فطلع جانشاه ونظر إلى التاجر، فرآه واقفًا تحت الجبل مثل العصفور، فقال له: ما تريد أيها التاجر؟ فقال له: ارمِ لي بشيء من هذه الحجارة التي حواليك حتى أدلك على الطريق التي تنزل منها. فقال جانشاه: أنت الذي فعلتَ بي كيت وكيت من مدة خمس سنين، وقد قاسيتُ جوعًا وعطشًا، وحصل لي تعبٌ عظيم، وشرٌّ كثير، وها أنت عدتَ بي إلى هذا المكان، وأردت هلاكي، والله لا أرمي لك بشيء. ثم إن جانشاه سار وقصد الطريق التي توصل إلى الشيخ نصر ملك الطيور. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.