فلما كانت الليلة ٥٢٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن جانشاه سار وقصد الطريق التي توصل إلى الشيخ نصر ملك الطيور، ولم يزل سائرًا أيامًا وليالي وهو باكي العين، حزين القلب، وإذا جاع يأكل من نبات الأرض، وإذا عطش يشرب من أنهارها، حتى وصل إلى قصر السيد سليمان، فرأى الشيخ نصر جالسًا على باب القصر، فأقبل عليه وقبَّلَ يديه، فرحَّبَ به الشيخ وسلَّم عليه، ثم قال له: يا ولدي، ما خبرك حتى جئتَ هذا المكان؟ وكنتَ قد توجَّهْتَ من هنا مع السيدة شمسة، وأنت قرير العين، منشرح الصدر. فبكى جانشاه، وحكى له ما جرى من السيدة شمسة لما طارت، وقالت له: إنْ كنتَ تحبني تعال عندي في قلعة جوهر تكني. فتعجَّبَ الشيخ نصر من ذلك، وقال: والله يا ولدي ما أعرفها وحقِّ السيد سليمان، ولا سمعتُ بهذا الاسم طول عمري. فقال جانشاه: كيف أعمل وقد متُّ من العشق والغرام؟ فقال له الشيخ نصر: اصبر حتى تأتي الطيور، ونسألهم عن قلعة جوهر تكني؛ لعل أحدًا منهم يعرفها. فاطمأن قلب جانشاه، ودخل القصر، وذهب إلى المقصورة المشتملة على البحيرة التي رأى فيها البنات الثلاث، ومكث عند الشيخ نصر مدة من الزمان.
فبينما هو جالس على عادته، إذ قال له الشيخ نصر: يا ولدي، إنه قد قرب مجيء الطير. ففرح جانشاه بذلك الخبر، ولم تمضِ إلا أيام قلائل حتى أقبلت الطيور، فجاء الشيخ جانشاه، وقال له: يا ولدي، تعلم هذه الأسماء وأقبل على الطيور. فجاءت وسلَّمَتْ على الشيخ نصر نوعًا بعد نوع، ثم سألها عن قلعة جوهر تكني، فقال كل منها: ما سمعت بهذه القلعة طول عمري. فبكى جانشاه، وتحسَّرَ ووقع مغشيًّا عليه، فطلب الشيخ نصر طيرًا عظيمًا، وقال له: أوصل هذا الشاب إلى بلاد كابل. ووصف له البلاد وطريقها، فقال له: سمعًا وطاعة. ثم ركب جانشاه على ظهره، وقال له: احترس على نفسك، وإياك أن تميل فتتقطع في الهواء، وسدَّ أذنَيْك من الريح؛ لئلا يضرك جري الأفلاك، ودوي البحار. فقبِلَ جانشاه ما قاله الشيخ نصر، ثم اقتلع الطير، وعلا به إلى الجو، وسار به يومًا وليلة، ثم نزل به عند ملك الوحوش، واسمه شاه بدري، فقال الطير لجانشاه: قد تهنا عن البلاد التي وصفها لنا الشيخ نصر. وأراد أن يأخذ جانشاه ويطير به، فقال له جانشاه: اذهب إلى حال سبيلك، واتركني في هذه الأرض حتى أموت فيها، أو أصل إلى بلادي. فتركه الطير عند ملك الوحوش شاه بدري، وذهب إلى حال سبيله. ثم إن شاه بدري سأله وقال له: يا ولدي، مَن أنت؟ ومن أين أقبلتَ مع هذا الطير العظيم؟ وما حكايتك؟ فحكى له جميع ما جرى له من الأول إلى الآخِر، فتعجَّبَ ملك الوحوش من حكايته، وقال له: وحقِّ السيد سليمان إني ما أعرف هذه القلعة، وكل مَن دلَّنا عليها نكرمه، ونرسلك إليها. فبكى جانشاه بكاءً شديدًا، وصبر مدة قليلة، وبعدها أتاه ملك الوحوش وهو شاه بدري، وقال له: قُمْ يا ولدي، وخذ هذه الألواح، واحفظ الذي فيها، وإذا أتَتِ الوحوش نسألها عن تلك القلعة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.