فلما كانت الليلة ٥٢٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن شاه بدري ملك الوحوش قال لجانشاه: احفظ ما في هذه الألواح، وإذا جاءت الوحوش نسألها عن تلك القلعة، فما مضى غير ساعة حتى أقبلت الوحوش نوعًا بعد نوع، وصاروا يسلِّمون على الملك شاه بدري، ثم إنه سألهم عن قلعة جوهر تكني، فقالوا له جميعًا: ما نعرف هذه القلعة، ولا سمعنا بها. فبكى جانشاه، وتأسَّفَ على عدم ذهابه مع الطير الذي أتى به من عند الشيخ نصر، فقال له ملك الوحوش: يا ولدي، لا تحمل همًّا، إنَّ لي أخًا أكبر مني يقال له الملك شماخ، وكان أسيرًا عند السيد سليمان؛ لأنه كان عاصيًا عليه، وليس أحد من الجن أكبر منه هو والشيخ نصر، فلعله يعرف هذه القلعة، وهو يحكم على الجان الذين في هذه البلاد. ثم ركَّبَه ملك الوحوش على ظهر وحش منها، وأرسل معه كتابًا إلى أخيه بالوصية عليه، ثم إن ذلك الوحش سار من وقته وساعته، ولم يزل سائرًا بجانشاه أيامًا وليالي حتى وصل إلى الملك شماخ، فوقف ذلك الوحش في مكانٍ وحده بعيدًا عن الملك، ثم نزل جانشاه من فوق ظهره، وصار يتمشَّى حتى وصل إلى حضرة الملك شماخ، فقبَّلَ يدَيْه وناوله الكتاب، فقرأه وعرف معناه، ورحَّبَ به وقال له: والله يا ولدي إن هذه القلعة عمري ما سمعتُ بها، ولا رأيتها. فبكى جانشاه وتحسَّرَ، فقال له الملك شمساخ: احكِ لي حكايتك، وأخبرني مَن أنت، ومن أين أتيتَ، وإلى أين تذهب؟ فأخبره بجميع ما جرى له من الأول إلى الآخِر، فتعجَّبَ شماخ من ذلك، وقال له: يا ولدي، ما أظن أن السيد سليمان في عمره سمع بهذه القلعة ولا رآها، ولكن يا ولدي أنا أعرف راهبًا في الجبل وهو كبير في العمر، وقد أطاعته جميع الطيور والوحوش والجان من كثرة أقسامه؛ لأنه ما زال يتلو الأقسام على ملوك الجن حتى أطاعوه قهرًا عنهم من شدة تلك الأقسام والسحر الذي عنده، وجميع الطيور والوحوش تسير إلى خدمته، وها أنا قد كنتُ عصيتُ السيد سليمان فهو أسرني عنده، وما غلبني سوى هذا الراهب من شدة مكره وأقسامه وسحره، وقد بقيت في خدمته، واعلم أنه ساحَ في جميع البلاد والأقاليم، وعرف الطرق والجهات والأماكن والقلاع والمدائن، وما أظن أنه يخفى عليه مكان؛ فأنا أرسلك إليه لعلَّه يدلُّك على هذه القلعة، وإنْ لم يدلُلْكَ هو عليها فما يدلك عليها أحد؛ لأنه قد أطاعته الطيور والوحوش والجان، وكلهم يأتونه، ومن شدة سحره قد اصطنع له عكازة ثلاث قطع، فيغرزها في الأرض ويتلو القسم على القطعة الأولى من العكازة، فيخرج منها لحم، ويخرج منها دم، ويتلو القسم على القطعة الثانية فيخرج منها لبن، ويتلو القسم على القطعة الثالثة فيخرج منها قمح وشعير، وبعد ذلك يخرج العكازة من الأرض، ثم يذهب إلى ديره، وديره يُسمَّى دير الماس، وهذا الراهب الكاهن يخرج من يده اختراع كل صنعة غريبة، وهو ساحر كاهن ماكر مخادع خبيث، واسمه يغموس، وقد حوى جميعَ الأقسام والعزائم، ولا بد من أن أرسلك إليه مع طير عظيم له أربعة أجنحة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.