فلما كانت الليلة ٥٢٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الطير لم يزل طائرًا بجانشاه مدة يومين حتى وصل به إلى الأرض التي فيها الوكر، ونزل به هناك، ثم قال له: يا جانشاه، هذا الوكر الذي كنَّا فيه. فبكى جانشاه بكاءً شديدًا، وقال للطير: أريد منك أن تحملني وتوصلني إلى الناحية التي كان أبوك وأمك يذهبان إليها ويجيئان منها بالرزق. فقال له الطير: سمعًا وطاعةً يا جانشاه. ثم حمله وطار به، ولم يزل طائرًا سبع ليالٍ وثمانية أيام حتى وصل به إلى جبلٍ عالٍ، ثم أنزله من فوق ظهره، وقال له: ما بقيت أعرف وراء هذا المكان أرضًا. فغلب على جانشاه النوم، فنام في رأس ذلك الجبل، فلما أفاق من النوم رأى بريقًا على بُعْد يملأ نورُه الجوَّ، فصار متحيِّرًا في نفسه من ذلك اللمعان والبريق، ولم يَدْرِ أنه لمعان القلعة التي هو يفتِّش عليها، وكان بينه وبينها مسيرة شهرين، وهي مبنية من الياقوت الأحمر، وبيوتها من الذهب الأصفر، ولها ألف برج مبنية من المعادن النفيسة التي تخرج من بحر الظلمات؛ ولهذا سُمِّيت قلعة جوهر تكني؛ لأنها من نفس الجواهر والمعادن، وكانت قلعةً عظيمة، واسم ملكها شهلان، وهو أبو البنات الثلاث.
هذا ما كان من أمر جانشاه، وأما ما كان من أمر السيدة شمسة، فإنها لما هربت من عند جانشاه، وراحت عند أبيها وأمها وأهلها، أخبرتهم بما جرى لها مع جانشاه، وحكت لهم حكايته، وأعلمَتْهم أنه ساحَ في الأرض ورأى العجائب، وعرَّفَتْهم بمحبته لها ومحبتها له، وبما وقع بينهما. فلما سمع أبوها وأمها منها ذلك الكلام قالا لها: ما يحل لك من الله أن تفعلي معه هذا الأمر. ثم إن أباها حكى هذه المسألة لأعوانه من مردة الجان، وقال لهم: كلُّ مَن رأى منكم إنسيًّا فَلْيأتني به. وكانت السيدة شمسة أخبرت أمها أن جانشاه مغرم بها، وقالت لها: ولا بد من أنه يأتينا؛ لأني لما طرتُ من فوق قصر أبيه قلت له: إنْ كنتَ تحبني فتعال في قلعة جوهر تكني.
ثم إن جانشاه لما رأى ذلك البريق واللمعان قصد نحوه ليعرف ما هو، وكانت السيدة شمسة قد أرسلت عونًا من الأعوان في شغل بناحية جبل قرموس، فبينما ذلك العون سائر إذ هو ينظر من بعيد شخص إنسي، فلما رآه أقبل نحوه وسلَّمَ عليه، فخاف جانشاه من ذلك العون، ولكنه ردَّ عليه السلام، فقال له العون: ما اسمك؟ فقال له: اسمي جانشاه، وكنتُ قبضت على جنية اسمها السيدة شمسة؛ لأني تعلَّقْتُ بحسنها وجمالها، وكنت أحبها محبة عظيمة، ثم إنها هربت مني بعد دخولها في قصر والدي. وحكى له جميع ما جرى له معها، وصار جانشاه يكلِّم المارد وهو يبكي، فلما نظر العون إلى جانشاه وهو يبكي أحرق قلبه، وقال له: لا تَبْكِ، فإنك قد وصلتَ إلى مرادك، واعلم أنها تحبك محبة عظيمة، وقد أعلمت أباها وأمها بمحبتك لها، وكل مَن في القلعة يحبك لأجلها، فطِبْ نفسًا، وقرَّ عينًا. ثم إن المارد حمله على كاهليه، وسار به حتى وصل إلى قلعة جوهر تكني، وذهب المبشِّرون إلى الملك شهلان وإلى السيدة شمسة وإلى أمها، يبشرونهم بمجيء جانشاه، ولما جاءتهم البشائر بذلك فرحوا فرحًا عظيمًا. ثم إن الملك شهلان أمر جميع الأعوان أن يلاقوا جانشاه، وركب هو وجميع الأعوان والعفاريت والمَرَدة إلى ملاقاة جانشاه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.