فلما كانت الليلة ٥٢٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك شهلان ركب هو وجميع الأعوان والعفاريت والمَرَدة إلى ملاقاة جانشاه، فلما أقبل الملك أبو السيدة شمسة على جانشاه عانَقَه، ثم إن جانشاه قبَّلَ يدَيِ الملك شهلان، وأمر له الملك بخلعة عظيمة من الحرير مختلفة الألوان، مطرزة بالذهب، مرصَّعة بالجوهر، ثم ألبسه التاج الذي ما رأى مثله أحد من ملوك الإنس، ثم أمر له بفرس عظيمة من خيل ملوك الجان، فركبها ثم ركب والأعوان عن يمينه وشماله، وسار هو والملك في موكب عظيم حتى أتوا باب القصر، فنزل الملك ونزل جانشاه في ذلك القصر، فرآه قصرًا عظيمًا، حيطانه مبنية بالجواهر واليواقيت ونفيس المعدن، وأما البلور والزبرجد والزمرد فمرصَّع في الأرض؛ فصار يتعجَّب من ذلك ويبكي، والملك وأم السيدة شمسة يمسحان دموعه ويقولان له: قلِّلْ من البكاء ولا تحمل همًّا، واعلم أنك قد وصلتَ إلى مرادك. ثم إنه لما وصل إلى وسط المكان، لاقَتْه الجواري الحسان والعبيد والغلمان، وأجلسوه في أحسن مكان ووقفوا في خدمته، وهو متحيِّر في حسن ذلك المكان وحيطانه التي بُنِيت من جميع المعادن ونفيس الجواهر.
وانصرف الملك شهلان إلى محل جلوسه وأمر الجواري والغلمان أن يأتوه بجانشاه ليجلس عنده، فأخذوه ودخلوا به عليه، فقام الملك إليه وأجلسه على تخته بجانبه، ثم إنهم أتوا بالسماط، فأكلوا وشربوا، ثم غسلوا أيديهم، وبعد ذلك أقبلَتْ عليه أم السيدة شمسة، فسلَّمَتْ عليه ورحَّبَتْ به، وقالت له: قد بلغتَ المقصود بعد التعب، ونامَتْ عينُك بعد السهر، والحمد لله على سلامتك. ثم ذهبت من وقتها إلى بنتها السيدة شمسة، فأتت بها جانشاه؛ فلما أقبلت عليه السيدة شمسة سلَّمَتْ عليه وقبَّلَتْ يدَيْه، وأطرقت برأسها خجلًا منه، ومن أمها وأبيها، وأتى إخوتها الذين كانوا معها في القصر، وقبَّلوا يدَيْه وسلَّموا عليه، ثم إن السيدة أم شمسة قالت له: مرحبًا يا ولدي، ولكن بنتي شمسة قد أخطأت في حقك، ولا تؤاخذها بما فعلَتْ معك لأجلنا. فلما سمع جانشاه منها ذلك الكلام صاح ووقع مغشيًّا عليه، فتعجَّبَ الملك منه. ثم إنهم رشوا وجهه بماء الورد الممزوج بالمسك والزباد، فأفاق ونظر إلى السيدة شمسة، وقال: الحمد لله الذي بلَّغني مرادي، وأطفأ ناري، حتى لم يَبْقَ في قلبي نار. فقالت له السيدة شمسة: سلامتك من النار، ولكن يا جانشاه أريد أن تحكي لي على ما جرى لك بعد فراقي، وكيف أتيتَ هذا المكان؟ مع أن أكثر الجان لا يعرفون قلعة جوهر تكني، ونحن عاصون على جميع الملوك، وما أحد عرف طريق هذا المكان، ولا سمع به. فأخبرها بجميع ما جرى له، وكيف أتى، وأعلمهم بما جرى لأبيه مع الملك كفيد، وأخبرهم بما قاساه في الطريق، وما رآه من الأهوال والعجائب، وقال لها: كلُّ هذا من أجلك يا سيدتي شمسة. فقالت له أمها: قد بلغتَ المراد، والسيدة شمسة جارية نُهْدِيها إليك. فلما سمع ذلك جانشاه فرح فرحًا شديدًا، فقالت له: بعد ذلك إن شاء الله تعالى في الشهر القابل ننصب الفرح، ونعمل العرس ونزوِّجك بها، ثم تذهب بها إلى بلادك، ونعطيك ألف مارد من الأعوان، لو أذنتَ لأقلِّ مَن فيهم أن يقتل الملك كفيد هو وقومه لَفعل ذلك في لحظة، وفي كل عام نرسل إليك قومًا، إذا أمرتَ واحدًا منهم بإهلاك أعدائك جميعًا أهلكهم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.