فلما كانت الليلة ٥٢٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الأعوان نزلوا على مدينة الملك طيغموس، ومعهم جانشاه والسيدة شمسة، وكان الملك طيغموس قد انهزم من الأعداء، وهرب في مدينة، وصار في حصر عظيم، وضيَّقَ عليه الملك كفيد، وطلب الأمان من الملك كفيد فلم يؤمنه؛ فلما علم الملك طيغموس أنه لم يَبْقَ له حيلة في الخلاص من الملك كفيد، أراد أن يخنق روحه حتى يموت ويستريح من ذلك الهم والحزن، وقاد وودَّعَ الوزراء والأمراء ودخل بيته ليودِّع الحريم، وصار أهل مملكته في بكاء ونواح وعزاء وصياح. فبينما هو في ذلك الأمر إذا بالأعوان قد أقبلوا على القصر الذي في داخل القلعة، وأمرهم جانشاه أن ينزلوا بالتخت في وسط الديوان؛ ففعلوا ما أمرهم به جانشاه، ونزلت السيدة شمسة مع جانشاه والجواري والمماليك، فرأوا جميع أهل المدينة في حصر وضيق وكرب عظيم؛ فقال جانشاه للسيدة شمسة: يا حبيبة قلبي وقرة عيني، انظري إلى أبي، كيف هو في أسوأ حال. فلما رأت السيدة شمسة أباه وأهل مملكته في ذلك الحال، أمرت الأعوان أن يضربوا العسكر الذين حاصروهم ضربًا شديدًا ويقتلوهم، وقالت للأعوان: لا تبقوا منهم أحدًا. ثم إن جانشاه أومأ إلى عون من الأعوان شديد البأس اسمه قراطش، وأمره أن يجيء بالملك كفيد مقيَّدًا، ثم إن الأعوان ساروا إليه، وأخذوا ذلك التخت معهم، وما زالوا سائرين حتى حطوا التخت فوق الأرض، ونصبوا الخيمة على التخت، وصبروا إلى نصف الليل، ثم هجموا على الملك كفيد وعساكره، وساروا يقتلونهم، وصار الواحد يأخذ عشرة أو ثمانية، وهم على ظهر الفيل، ويطير بهم إلى الجو، ثم يبقيهم فيتمزَّقون في الهواء، وكان بعض الأعوان يضرب العساكر بالعمد الحديد. ثم إن العون الذي اسمه قراطش ذهب من وقته إلى خيمة الملك كفيد، فهجم عليه وهو جالس فوق السرير، وأخذه وطار به إلى الجو، فزعق من هيبة ذلك العون، ولم يزل طائرًا به حتى وضعه على التخت قدام جانشاه، فأمر الأعوان أن يقتلعوا التخت وينصبوه في الهواء، فلم ينتبه الملك كفيد إلا وقد رأى نفسه ما بين السماء والأرض، فصار يلطم وجهه ويتعجَّب من ذلك.
هذا ما كان من أمر الملك كفيد، وأما ما كان من أمر الملك طيغموس، فإنه لما رأى ابنه كاد يموت من شدة الفرح، وصاح صيحة عظيمة، ووقع مغمًى عليه، فرشوا وجهه بماء الورد، فلما أفاق تعانَقَ هو وابنه، وبكيَا بكاءً شديدًا، ولم يعلم الملك طيغموس بأن الأعوان في قتال الملك كفيد، وبعد ذلك قامت السيدة شمسة، وتمشت حتى وصلت إلى الملك طيغموس أبي جانشاه، وقبَّلَتْ يدَيْه وقالت له: يا سيدي، اصعد إلى أعلى القصر، وتفرَّج على قتال أعوان أبي. فصعد الملك أعلى القصر، وجلس هو والسيدة شمسة يتفرجان على الأعوان؛ وذلك أنهم صاروا يضربون في العساكر طولًا وعرضًا، وكان منهم مَن يأخذ العمود الحديد، ويضرب به الفيل، فينهرس الفيل والذي على ظهره، حتى صارت الفِيَلة لا تتميز من الآدميين، ومنهم مَن يجيء جماعة وهم هاربون، فيصيح في وجوههم فيسقطون ميتين، ومنهم مَن يقبض على العشرين فارسًا، ويقتلع بهم إلى الجو، ويلقيهم إلى الأرض، فيتقطعون قطعًا؛ هذا وجانشاه ووالده والسيدة شمسة ينظرون إليهم، ويتفرجون على القتال. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.