فلما كانت الليلة ٥٣٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن بلوقيا لما طلع الجزيرة ووجدها كالجنة، تمشَّى في جوانبها ورأى ما فيها من العجائب، ومن جملتها الطير الذي هو من اللؤلؤ والزمرد الأخضر، وريشه من نفيس المعدن، على تلك الحالة وهو يسبح الله تعالى، ويصلِّي على محمد ﷺ، فلما رأى بلوقيا ذلك الطائر العظيم قال له: مَن أنت؟ وما شأنك؟ فقال له: أنا من طيور الجنة، واعلم يا أخي أن الله تعالى أخرج آدم من الجنة، وأخرج معه أربع ورقات يستتر بها، فسقطن في الأرض، فواحدة منهن أكلها الدود فصار منها الحرير، والثانية أكلها الغزلان فصار منها المسك، والثالثة أكلها النحل فصار منها العسل، والرابع وقعت في الهند فصار منها البهار، وأما أنا فإني سحت في جميع الأرض إلى أنْ مَنَّ الله عليَّ بهذا المكان فمكثت فيه، وإنه في كل ليلة جمعة ويومها، تأتي الأولياء والقطاب الذين في الدنيا هذا المكان ويزورونه، ويأكلون من هذا الطعام، وهو ضيافة الله تعالى لهم، يضيفهم بها في كل ليلة جمعة ويومها، ثم بعد ذلك يرتفع السماط إلى الجنة، ولا ينقص أبدًا، ولا يتغيَّر، فأكل بلوقيا، ولما فرغ من الأكل وحمد الله تعالى فإذا الخضر عليه السلام قد أقبل، فقام بلوقيا إليه وسلَّمَ عليه، وأراد أن يذهب. فقال له الطير: اجلس يا بلوقيا في حضرة الخضر عليه السلام. فجلس بلوقيا، فقال له الخضر: أخبرني بشأنك، واحكِ لي حكايتك. فأخبره بلوقيا بجميع ما جرى له من الأول إلى الآخِر، إلى أن أتاه ووصل إلى المكان الذي هو جالس فيه بين يدَيِ الخضر، ثم قال له: يا سيدي، ما مقدار الطريق من هنا إلى مصر؟ فقال له: مسيرة خمسة وتسعين عامًا. فلما سمع بلوقيا هذا الكلام بكى، ثم وقع على يد الخضر وقبَّلَها، وقال له: أنقذني من هذه الغربة وأجرك على الله؛ لأني قد أشرفتُ على الهلاك، وما بقيت لي حيلة. فقال له الخضر: ادعُ الله تعالى أن يأذن لي في أن أوصلك إلى مصر قبل أن تهلك. فبكى بلوقيا، وتضرَّعَ إلى الله تعالى، فتقبَّلَ الله دعاءه، وألهم الخضر عليه السلام أن يوصله إلى أهله، فقال الخضر عليه السلام لبلوقيا: ارفع رأسك؛ فقد تقبَّلَ الله دعاءك، وألهمني أن أوصلك إلى مصر، فتعلَّقْ بي، واقبضْ عليَّ بيديك، وأغمض عينيك. فتعلَّقَ بلوقيا بالخضر عليه السلام وقبض عليه بيديه، وأغمض عينيه، وخطا الخضر عليه السلام خطوة، ثم قال لبلوقيا: افتح عينيك. ففتح عينيه فرأى نفسه واقفًا على باب منزله، ثم إنه التفَتَ ليودِّع الخضر عليه السلام فلم يجد له أثرًا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.