فلما كانت الليلة ٥٣٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير شمهور أقبل على حاسب وأجلسه على كرسي عن يمين الملك كرزدان، وأحضروا السماط فأكلوا وشربوا، وغسلوا أيديهم، ثم بعد ذلك قام الوزير شمهور، وقام لأجله كلُّ مَن في المجلس هيبةً له، وتمشى إلى نحو حاسب كريم الدين، وقال له: نحن في خدمتك، وكل ما طلبت نعطيك، ولو طلبتَ نصف المُلْك أعطيناك إياه؛ لأن شفاء الملك على يديك. ثم أخذه من يده، وذهب به إلى الملك، فكشف حاسب عن وجه الملك، ونظر إليه فرآه في غاية المرض، فتعجَّبَ من ذلك، ثم إن الوزير نزل على يد حاسب وقبَّلَها، وقال له: نريد منك أن تداوي هذا الملك، والذي تطلبه نعطيك إياه، وهذه حاجتنا عندك. فقال حاسب: نعم، إني ابن دانيال نبي الله، لكنني ما أعرف شيئًا من العلم، فإنهم وضعوني في صنعة الطب ثلاثين يومًا فلم أتعلم شيئًا من تلك الصنعة، وكنت أود لو عرفت شيئًا من العلم وأداوي هذا الملك. فقال الوزير: لا تُطِلْ علينا الكلام، فلو جمعنا حكماء المشرق والمغرب ما يداوي الملك إلا أنت. فقال له حاسب: كيف أداويه وأنا ما أعرف داءه ولا دواءه؟ فقال له الوزير: إن دواء الملك عندك. قال له حاسب: لو كنتُ أعرف دواءه لَداويتُه. فقال له الوزير: أنت تعرف دواءه معرفة جيدة، فإن دواءه ملكة الحيات، وأنت تعرف مكانها ورأيتَها، وكنت عندها.
فلما سمع حاسب هذا الكلام، عرف أن سبب ذلك دخول الحمام، وصار يتندَّم حيث لا ينفعه الندم، وقال لهم: كيف ملكة الحيات وأنا لا أعرفها، ولا سمعت طول عمري بهذا الاسم؟ فقال الوزير: لا تُنكِر معرفتَها، فإن عندي دليلًا على أنك تعرفها، وأقمتَ عندها سنتين. فقال حاسب: أنا لا أعرفها، ولا رأيتها، ولا سمعت بهذا الخبر إلا في هذا الوقت منكم. فأحضر الوزير كتابًا وفتحه، وصار يتحسب، ثم قال: إن ملكة الحيات تجتمع برجل ويمكث عندها سنتين، ويرجع من عندها، ويطلع على وجه الأرض، فإذا دخل الحمام تسودُّ بطنه. ثم قال لحاسب: انظر إلى بطنك. فنظر إليها فرآها سوداء، فقال لهم حاسب: إن بطني سوداء من يوم ولدتني أمي. فقال له الوزير: أنا كنت وكَّلْتُ على كل حمام ثلاثة مماليك لأجل أن يتعهَّدوا كلَّ مَن يدخل الحمام، وينظروا إلى بطنه، ويُعلِموني به، فلما دخلت أنت الحمام نظروا إلى بطنك فوجدوها سوداء، فأرسلوا إليَّ خبرًا بذلك، وما صدَّقْنا أننا نجتمع بك في هذا اليوم، وما لنا عندك حاجة إلا أن ترينا الموضع الذي طلعتَ منه، وتروح إلى حال سبيلك، ونحن نقدر على إمساك ملكة الحيات، وعندنا مَن يأتينا بها.
فلما سمع حاسب هذا الكلام ندم على دخول الحمام ندمًا عظيمًا حيث لا ينفعه الندم، وصار الأمراء والوزراء يتدخلون على حاسب في أن يخبرهم بملكة الحيات حتى عجزوا، وهو يقول: لا رأيت هذا الأمر ولا سمعت به. فعند ذلك طلب الوزير الجلاد، فأتوه به، فأمره أن ينزع ثياب حاسب عنه، ويضربه ضربًا شديدًا، ففعل ذلك حتى عاين الموت من شدة العذاب، وبعد ذلك قال له الوزير: إن عندنا دليلًا على أنك تعرف مكان ملكة الحيات، فلأي شيء أنت تنكره؟ أَرِنا الموضع الذي خرجت منه، وابعد عنا، وعندنا الذي يمسكها، ولا ضرر عليك. ثم لاطَفَه وأقامه، وأمر له بخلعة مزركشة بالذهب والمعادن، فامتثل حاسب لأمر الوزير وقال له: أنا أريكم الموضع الذي خرجت منه. فلما سمع الوزير كلامه فرح فرحًا شديدًا، وركب هو والأمراء جميعًا، وركب حاسب وسار قدام العساكر، وما زالوا سائرين حتى وصلوا إلى الجبل، ثم إنه دخل بهم إلى المغارة، وبكى وتحسَّرَ، ونزلت الأمراء والوزراء وتمشوا وراء حاسب حتى وصلوا إلى البئر الذي طلع منه، ثم تقدَّمَ الوزير وجلس وأطلق البخور، وأقسم وتلا العزائم، ونفث وهمهم؛ لأنه كان ساحرًا ماكرًا كاهنًا يعرف علم الروحاني وغيره، ولما فرغ من عزيمته الأولى قرأ عزيمة ثانية وعزيمة ثالثة، وكلما فرغ البخور وضع غيره على النار، ثم قال: اخرجي يا ملكة الحيات. فإذا البئر قد غاض ماؤه، وانفتح فيها باب عظيم، وخرج منها صراخ عظيم مثل الرعد، حتى ظنوا أن ذلك البئر قد انهدم، ووقع جميع الحاضرين في الأرض مغشيًّا عليهم، ومات بعضهم، وخرج من ذلك البئر حية عظيمة مثل الفيل، يطير مِن عينيها ومِن فيها الشررُ مثل الجمر، وعلى ظهرها طبق من الذهب الأحمر مرصَّع بالدر والجوهر، وفي وسط ذلك الطبق حية تضيء المكان، ووجهها كوجه إنسان، وتتكلَّم بأفصح لسان، وهي ملكة الحيات، والتفتت يمينًا وشمالًا فوقع بصرها على حاسب كريم الدين، فقالت له: أين العهد الذي عاهدتَني به، واليمين الذي حلفتَه لي من أنك لا تدخل الحمام؟ ولكن لا تنفع حيلة من قدر، والذي على الجبين مكتوب ما منه مهروب، وقد جعل الله آخِر عمري على يدَيْك، وبهذا حكم الله، وأراد أن أُقتَل أنا والملك كرزدان يُشفى من مرضه. ثم إن ملكة الحيات بكت بكاءً شديدًا، وبكى حاسب لبكائها، ولما رأى الوزير شمهور الملعون ملكة الحيات، مدَّ يده إليها ليمسكها، فقالت له: امنع يدك يا ملعون، وإلا نفخت عليك وصيَّرتك كوم رماد أسود. ثم صاحت على حاسب، وقالت له: تعال عندي وخذني بيدك، وحطَّني في هذه الصينية التي معكم، واحلمها على رأسك، فإن موتي على يدك مقدر من الأزل، ولا حيلةَ لك في دفعه. فأخذها حاسب وحطها في الصينية، وحملها على رأسه، وعادت البئر كما كانت، ثم ساروا وحاسب حامل الصينية التي هي فيها على رأسه.
فبينما هم في أثناء الطريق إذ قالت ملكة الحيات لحاسب كريم الدين سرًّا: يا حاسب، اسمع ما أقول لك من النصيحة، ولو كنت نقضتَ العهد، وحنثتَ في اليمين، وفعلتَ هذه الأفعال؛ لأن ذلك مقدور من الأزل. فقال لها: سمعًا وطاعةً، ما الذي تأمرينني به يا ملكة الحيات؟ فقالت له: إذا وصلت إلى بيت الوزير، فإنه يقول لك: اذبح ملكة الحيات، وقطِّعها ثلاث قطع. فامتنِعْ من ذلك ولا تفعل، وقل له: أنا ما أعرف الذبح. لأجل أن يذبحني هو بيده ويعمل فيَّ ما يريد. فإذا ذبحني وقطَّعني يأتيه رسول من عند الملك كرزدان، ويطلبه إلى الحضور عنده، فيضع لحمي في قدر من النحاس، ويضع القدر فوق الكانون قبل الذهاب إلى الملك، ويقول لك: أوقد النار على هذا القدر حتى تطلع رغوة اللحم، فإذا طلعت الرغوة فخذها وحطها في قنينة، واصبر عليها حتى تبرد، واشربها أنت، فإذا شربتها لا يبقى في بدنك وجع، فإذا طلعت الرغوة الثانية فحطها عندك في قنينة ثانية حتى أجيء من عندك الملك، وأشربها من أجل مرضٍ في صلبي. ثم إنه يعطيك القنينتين ويروح إلى الملك، فإذا راح إليه أوقد النار على القدر حتى تطلع الرغوة فخذها وحطها في قنينة واحفظها عندك وإياك أن تشربها، فإنْ شربْتَها لم يحصل لك خير، وإذا طلعت الرغوة الثانية فحطَّها في القنينة الثانية، واصبر حتى تبرد، واحفظها عندك حتى تشربها، فإذا جاء من عند الملك وطلب منك القنينة الثانية فأعْطِه الأولى، وانظر ما يجري له. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.