فلما كانت الليلة ٥٣٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك قال لوزرائه وأكابر دولته: إن الذي دواني من مرضي هو حاسب كريم الدين، وقد جعلته وزيرًا أعظم مكان الوزير شمهور، فمَن أحَبَّه فقد أحَبَّني، ومَن أكرمه فقد أكرمني، ومَن أطاعه فقد أطاعني. فقال له الجميع: سمعًا وطاعة. ثم قاموا كلهم، وقبَّلوا حاسب كريم الدين، وسلَّموا عليه، وهنَّوه بالوزارة، ثم بعد ذلك خلع عليه الملك خلعة سنية منسوجة بالذهب الأحمر، مرصَّعة بالدر والجوهر، أقل جوهرة فيها تساوي خمسة آلاف دينار، وأعطاه ثلاثمائة مملوك، وثلاثمائة سرية تضيء مثل الأقمار، وثلاثمائة جارية من الحبش، وخمسمائة بغلة محملة من المال، وأعطاه من المواشي والغنم والجاموس والبقر ما يكلُّ عنه الوصف، وبعد هذا كله أمر وزراءه وأمراءه، وأرباب دولته، وأكابر مملكته ومماليكه، وعموم رعيته؛ أن يهاوده، ثم ركب حاسب كريم الدين، وركب خلفه الوزراء والأمراء، وأرباب الدولة، وجميع العساكر، وساروا إلى بيته الذي أخلاه له الملك. ثم جلس على كرسي، وتقدَّمت إليه الأمراء والوزراء، وقبَّلوا يده، وهنَّوه بالوزارة، وصاروا كلهم في خدمته، وفرحت أمه بذلك فرحًا شديدًا، وهنته بالوزارة، وجاءه أهله وهنوه بالسلامة والوزارة، وفرحوا به فرحًا شديدًا، ثم بعد ذلك أقبل عليه أصحابه الحطَّابون، وهنوه بالوزارة، وبعد ذلك ركب وسار حتى وصل إلى قصر الوزير شمهور، فختم على بيته، ووضع يده على ما فيه، وضبطه ثم نقله إلى بيته، وبعد أن كان لا يعرف شيئًا من العلوم، ولا قراءة الخط، صار عالمًا بجميع العلوم بقدرة الله تعالى، وانتشر علمه وشاعت حكمته في جميع البلاد، واشتهر بالتبحُّر في علم الطب والهيئة والهندسة، والتنجيم والكيمياء والسيمياء والروحاني، وغير ذلك من العلوم.
ثم إنه قال لأمه يومًا من الأيام: يا والدتي، إن أبي دانيال كان عالمًا فاضلًا، فأخبريني بما خلَّفه من الكتب وغيرها، فلما سمعت أمه كلامَه، أتَتْه بالصندوق الذي كان أبوه قد وضع فيه الورقات الخمس الباقية من الكتب التي غرقت في البحر، وقالت له: ما خلَّفَ أبوك شيئًا من الكتب إلا الورقات الخمس التي في هذا الصندوق. ففتح الصندوق وأخذ منه الورقات الخمس وقرأها، وقال لها: يا أمي، إن هذه الأوراق من جملة كتاب وأين بقيته؟ فقالت له: إن أباك كان قد سافَرَ بجميع كتبه في البحر، فانكسرت به المركب، وغرقت كتبه، وأنجاه الله تعالى من الغرق، ولم يَبْقَ من كتبه إلا هذه الورقات الخمس، ولما جاء أبوك من السفر كنتُ حاملًا بك، فقال لي: ربما تلدين ذكرًا، فخذي هذه الأوراق، واحفظيها عندك، فإذا كبر الغلام وسأل عن تركتي، فأعطيه إياها وقولي له: إن أباك لم يخلف غيرها. وهذه إياها. ثم إن حاسب كريم الدين تعلَّمَ جميع العلوم، ثم بعد ذلك قعد في أكل وشرب، وأطيب معيشة، وأرغد عيش إلى أن أتاه هادم اللذات، ومفرِّق الجماعات. وهذا آخِر ما انتهى إلينا من حديث حاسب بن دانيال رحمه الله تعالى، والله أعلم.
حكاية سندباد البحري
قالت: بلغني أنه كان في زمن الخليفة أمير المؤمنين هارون الرشيد بمدينة بغداد رجل يقال له السندباد الحمَّال، وكان رجلًا فقير الحال يحمل بأجرته على رأسه، فاتفق له أنه حمل في يوم من الأيام حملة ثقيلة، وكان ذلك اليوم شديدَ الحر، فتعب من تلك الحملة، وعرق واشتدَّ عليه الحر، فمرَّ على باب رجل تاجر قدامه كنس ورش، وهناك هواء معتدل، وكان بجانب الباب مصطبة عريضة، فحَطَّ الحمَّال حملته على تلك المصطبة ليستريح ويشم الهواء. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.