فلما كانت الليلة ٣١٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية قالت له: اشترِ لنا مأكولًا ومشروبًا بثلاثة دنانير. ففعل ثم قالت له: اشترِ لنا خرقة حرير قدر ستر، واشترِ قصبًا أصفر وأبيض، وحريرًا ملونًا سبعة ألوان. ففعل، ثم إنها فرشت البيت، وأوقدت الشمع، وجلست تأكل وتشرب هي وإياه، وبعد ذلك قاموا إلى الفرش، وقضوا الغرض من بعضهما، ثم باتا معتنقين خلف الستائر، وكانا كما قال الشاعر:
واستمرَّا متعانقين إلى الصباح، وقد سكنت محبة كل واحد منهما في قلب صاحبه، ثم أخذت الستر وطرَّزته بالحرير الملوَّن، وزركشته بالقصب، وجعلت فيه منطقة بصور طيور، وصوَّرت في دائرها الوحوش، ولم تترك وحشًا في الدنيا إلا وصوَّرت صورته فيه، ومكثت تشتغل فيه ثمانية أيام. فلمَّا فرغ قطعته وصقلته، ثم أعطته لسيدها، وقالت له: اذهب به إلى السوق وبِعْه بخمسين دينارًا للتاجر، واحذر أن تبيعه لأحد عابر طريق؛ فإن ذلك يكون سببًا للفراق بيني وبينك؛ لأن لنا أعداء لا يغفلون عنا. فقال: سمعًا وطاعة. ثم ذهب به إلى السوق وباعه لتاجر كما أمرته، وبعد ذلك اشترى الخرقة والحرير والقصب على العادة، وما يحتاجان إليه من الطعام، وأحضر لها ذلك وأعطاها بقية الدراهم؛ فصارت كل ثمانية أيام تعطيه سترًا يبيعه بخمسين دينارًا، ومكثت على ذلك سنة كاملة، وبعد السنة راح إلى السوق بالستر على العادة وأعطاه للدلال، فعرض له نصراني فدفع له ستين دينارًا، فامتنع، فما زال يزيده حتى عمله بمائة دينار، وبَرْطَلَ الدلَّال بعشرة دنانير، فرجع الدلال إلى علي شار وأخبره بالثمن، وتحيَّلَ عليه في أن يبيع الستر للنصراني بذلك المبلغ، وقال له: يا سيدي، لا تَخَفْ من هذا النصراني، وما عليك منه بأس، وقامت التجار عليه، فباعه للنصراني وقلبه مرعوب، ثم قبض المال ومضى إلى البيت، فوجد النصراني ماشيًا خلفه، فقال له: يا نصراني، ما لك ماشيًا خلفي؟ فقال له: يا سيدي، إن لي حاجة في صدر الزقاق، الله لا يحوجك. فما وصل علي شار إلى منزله إلا والنصراني لاحقه، فقال: يا ملعون، ما لك تتبعني أينما أسير؟ فقال: يا سيدي، اسقني شربة ماء فإني عطشان، وأجرك على الله تعالى. فقال علي شار في نفسه: هذا رجل ذمي وقصدني في شربة ماء، فوالله لا أخيبه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.