فلما كانت الليلة ٣٤٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك الناصر قال للولاة الثلاثة: أريد أن كل واحد منكم يخبرني بأعجب ما وقع له في مدة ولايته. فأجابوه بالسمع والطاعة، ثم قال والي القاهرة: اعلم يا مولانا السلطان أن أعجب ما وقع في مدة ولايتي، أنه كان بهذه المدينة عدلان يشهدان على الدماء والجراحات، وكانَا مُولَعين بحب النساء وشرب الشراب والفساد، وما قدرت عليهما بحيلةٍ لأنتقم منهما بها وعجزتُ عن ذلك، فأوصيت الخمَّارين والنقليين والفكهانيين والشماعين وأرباب البيوت المعدَّة للفساد، أن يخبروني بهذين الشاهدين متى كانَا في مكان يشربان أو يُفسِدان، سواء كانا مع بعضهما أو متفرقين، وإن اشتريا أو اشترى أحدهما منهم شيئًا من الأشياء المعدَّة للشراب، فلا يخفوه عني. فقالوا: سمعًا وطاعة. فاتفق في بعض الأيام أنه حضر إليَّ رجل ليلًا وقال: يا مولانا، اعلم أن الشاهدين في المكان الفلاني، في الدرب الفلاني، في دار فلان، وأنهما في منكر عظيم. فقمتُ وتخفَّيْتُ أنا وغلامي ومضيت إليهما منفردًا، ليس من أحد معي غير غلامي، ولم أَزَلْ ماشيًا حتى وقفت على الباب وطرقته، فأتت إليَّ جارية وفتحت لي الباب وقالت: مَن أنت؟ فدخلتُ ولم أردَّ عليها جوابًا، فرأيتُ الشاهدين وصاحب الدار جلوسًا وعندهم نساء بغايا، ومن الشراب شيء كثير، فلما رأوني قاموا إليَّ وعظَّموني وأَجْلَسوني في صدر المقام وقالوا لي: مرحبًا بك من ضيف عزيز، ونديم ظريف. واستقبلوني من غير خوف مني ولا فزع، وبعد ذلك قام صاحب الدار من عندنا وغاب ساعة، ثم عاد ومعه ثلاثمائة دينار وليس عنده من الخوف شيء، وقالوا: اعلم يا مولانا الوالي أنك تقدر على أكثر من هتيكتنا، وفي يديك تعزيرنا، ولكن لا يعود عليك من ذلك إلا التعب، فالرأي أن تأخذ هذا القدر وتستر علينا، فإن الله تعالى اسمه الستار، ويحب من عباده الستيرين، ولك الأجر والثواب. فقلت في نفسي: خذ هذا الذهب منهم، واستر عليهم في هذه المرة، وإذا قدرت عليهم مرة أخرى فانتقم منهم.
فطمعت في المال وأخذتُه منهم وتركتهم، وانصرفت ولم يشعر بي أحد، فما أشعر في ثاني يوم إلا ورسول القاضي جاء إليَّ وقال: أيها الوالي تفضَّلْ كلِّم القاضي فإنه يدعوك. فقمت معه ومضيت إلى القاضي ولا اعلم ما سبب ذلك، فلما دخلت عليه رأيت الشاهدين وصاحب الدار الذي أعطاني الثلاثمائة دينار جالسين عنده، فقام صاحب الدار وادَّعَى عليَّ بثلاثمائة دينار، فما وسعني الإنكار، فخرج مسطورًا وشهد فيه هذان الشاهدان العدلان عليَّ بثلاثمائة دينار، فثبت ذلك عند القاضي بشهادة الشاهدين، فأمرني بدفع ذلك المبلغ، فما خرجت من عندهم حتى أخذوا مني الثلاثمائة دينار، فاغتظت ونويت لهم كل سوء، وندمت على عدم تنكيلهم وانصرفت وأنا في غاية الخجل، وهذا أعجب ما وقع لي في مدة ولايتي.
فقام والي بولاق وقال: وأما أنا يا مولانا السلطان، فأعجب ما وقع لي في مدة ولايتي أنه كمل عليَّ من الدين ثلاثمائة ألف دينار، فأضرَّ بي ذلك وبعتُ ما ورائي وما قدامي وما كان بيدي، فجمعتُ مائة ألف دينار من غير زيادة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.