فلما كانت الليلة ٣٤٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن والي بولاق قال: بعت ما ورائي وما قدامي، فجمعت مائة ألف دينار من غير زيادة، وبقيت في حيرة عظيمة، فبينما أنا جالس في داري ليلة من الليالي وأنا في هذا الحال، وإذا بطارق يطرق الباب، فقلت لبعض الغلمان: انظر مَن بالباب. فخرج ثم عاد إليَّ وهو مصفرُّ الوجه، متغيِّر اللون، مرتعد الفرائص، فقلتُ له: ما دهاك؟ فقال: إن بالباب رجلًا عريانًا، وعليه ثياب من الجلد، ومعه سيف، وفي وسطه سكين، ومعه جماعة على هيئته وهو يطلبك. فأخذت السيف في يدي وخرجتُ لأنظر مَن هؤلاء، وإذا بهم كما قال الغلام، فقلت لهم: ما شأنكم؟ فقالوا: إننا لصوص وغنمنا في هذه الليلة غنيمة عظيمة، وجعلناها برسمك لتستعين بها على هذه القضية التي أنتَ مهموم بسببها، وتسدَّ بها الدَّيْن الذي عليك. فقلت لهم: وأين الغنيمة؟ فأحضروا لي صندوقًا كبيرًا ممتلئًا أواني من ذهب وفضة، فلما رأيته فرحت وقلت في نفسي: أسدُّ الدَّيْنَ الذي عليَّ من هذا، ويفضل لي قدرَ الدَّيْنِ مرةً أخرى. فأخذته ودخلت الدار وقلت في نفسي: ليس من المروءة أن أدعهم يذهبون من غير شيء، فأخذتُ المائة ألف دينار التي كانت عندي ودفعتُها إليهم وشكرت صنعهم، فأخذوا الدنانير ومضوا تحت الليل إلى حال سبيلهم ولم يعلم بهم أحد، فلما أصبح الصباح، رأيتُ ما في الصندوق نحاسًا مطليًّا بالذهب والقزير يساوي كله خمسمائة درهم، فعَظُم عليَّ ذلك وضاعت الدنانير التي كانت معي، وازددْتُ غمًّا على غمِّي، وهذا أعجب ما جرى لي في زمن ولايتي.
فقام والي مصر القديمة وقال: يا مولانا السلطان، وأما أنا فأعجب ما جرى لي في مدة ولايتي، أني شنقت عشرةَ لصوص وجعلتُ كلَّ واحد على خشبة وحده، وأوصيتُ الحارسين أنهم يحفظونهم ولا يتركون الناس يأخذون أحدًا منهم، فلما كان من الغد جئتُ لأنظرهم فنظرتُ مشنوقَيْن على خشبةٍ واحدة، فقلتُ للحارسين: مَن فعل هذا؟ وأين الخشبة التي كان عليها المشنوق الثاني؟ فأنكروا ذلك، فأردت أن أضربهم فقالوا: اعلم أيها الأمير أننا نمنا البارحة، فلما انتبهنا وجدنا مشنوقًا واحدًا سُرِق هو والخشبة التي كان عليها، فخفنا منك، وإذا برجل فلاح مسافر قد أقبل علينا ومعه حمار، فقبضنا عليه وقتلناه وشنقناه مكان الذي سُرِق على هذه الخشبة. فتعجَّبْتُ من ذلك وقلتُ لهم: وما كان مع الفلاح؟ فقالوا: كان معه خُرْج على الحمار. قلت لهم: وما فيه؟ قالوا: لا ندري. فقلتُ لهم: عليَّ به. فأحضروه بين يدي فأمرتُ بفتحه، وإذا فيه رجل مقتول مقطَّع، فلما رأيته تعجَّبْتُ من ذلك، وقلت في نفسي: سبحان الله، ما كان سبب شنق هذا الفلاح إلا ذنب هذا المقتول، وما ربك بظلَّام للعبيد.
حكاية اللص والصيرفي
ومما يُحكَى أن رجلًا من الصيارف كان معه كيس ملآن ذهبًا، وقد مرَّ على اللصوص فقال واحد من الشطار: أنا أقدر على أخذ هذا الكيس. فقالوا له: كيف تصنع؟ فقال: انظروا. ثم تبعه إلى منزله، فدخل الصيرفي ورمى الكيس على الصفة وكان حاقنًا، فدخل بيت الراحة لإزالة الضرورة، وقال للجارية: هاتي إبريق ماء. فأخذت الجارية الإبريق وتبعته إلى بيت الراحة، وتركَتِ البابَ مفتوحًا، فدخل اللص وأخذ الكيس وذهب إلى أصحابه وأعلمهم بما جرى. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.