فلما كانت الليلة ٣٤٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوالي صاح على خازنداره وقال له: أحضر الكيس الفلاني. وكان فيه ألف دينار، فلما أحضر الخازندار ذلك الكيس أعطاه لذلك الرجل، فأخذه منه وشكره على فعله، ومضى إلى حال سبيله تحت الليل، فلما أصبح الصباح أحضر الوالي قيِّم الصاغة، فلما حضر أراه ذلك الصندوق وما فيه من المصاغ، فوجد جميع ذلك من القزير والنحاس، ورأى الجواهر والفصوص واللؤلؤ كلها من الزجاج، فعَظُم ذلك على الوالي وأرسل في طلبه، فلم يقدر أحدٌ على تحصيله.
حكاية زواج إبراهيم بن المهدي
ومما يُحكَى أن أمير المؤمنين المأمون قال لإبراهيم بن المهدي: حدثنا بأعجب ما رأيت. قال: سمعًا وطاعةً يا أمير المؤمنين، اعلم أني خرجت يومًا للنزهة فانتهى بي المشي إلى موضع، فشممت فيه رائحة الطعام، فاشتاقت نفسي إليه ووقفت يا أمير المؤمنين متحيِّرًا لا أقدر على المضي ولا على دخول ذلك الموضع، فرفعت بصري وإذا أنا بشباك، ومن خلفه كفٌّ ومِعْصَم ما رأيت أحسن منهما، وطار عقلي عند رؤيتهما ونسيتُ رائحةَ الطعام بذلك الكف والمعصم، وأخذت في الحيلة على الوصول إلى ذلك الموضع، وإذا بخياط قريب من ذلك الموضع فتقدَّمْتُ إليه وسلَّمْتُ عليه، فردَّ عليَّ السلام، فقلت: لمَن هذه الدار؟ فقال: لرجل من التجار. فقلت له: ما اسمه؟ قال: اسمه فلان ابن فلان، وهو لا ينادم إلا التجار. فبينما نحن في الكلام إذ أقبل رجلان نبيلان ذكيان، فأعلمني أنهما أخصُّ الناس بصحبته وأخبرني باسمهما، فحرَّكْتُ دابتي حتى لقيتهما وقلتُ لهما: جُعِلت فداكما قد استبطأكما أبو فلان. وسايرتهما حتى وصلنا إلى الباب، فدخلت ودخل الرجلان، فلما رآني صاحب الدار معهما لم يشك في أنني صاحبهما، فرحَّبَ بي وأجلسني في أرفع المواضع، ثم جاءوا بالمائدة، فقلت في نفسي: قد مَنَّ الله عليَّ ببلوغ الغرض من هذه الأطعمة، وبقي الكفُّ والمعصم. ثم انتقلنا إلى المنادمة في موضع آخَر، فرأيته محفوفًا باللطائف، وجعل صاحب المنزل يتلطَّف بي ويُقبِل عليَّ بالحديث لظنِّه أني ضيف لأضيافه، وهم كذلك يلاطفونني غايةَ الملاطَفَة لظنِّهم أنني صاحب ربِّ المنزل، ولم يزل جميعهم في ملاطفتي حتى شربنا أقداحًا، ثم خرجَتْ علينا جاريةٌ كأنها غصن بان، وهي في غاية الظرف وحسن الهيئة، فأخذَتِ العود وأطربَتْ بالنغمات وأنشدت هذه الأبيات:
فهيجت بلابلي يا أمير المؤمنين وأخذني الطرب من فرط جمالها ورِقَّة شِعْرها الذي غنَّتْ به، فحسدتُها على حُسْن صنعتها وقلتُ: بقي عليكِ شيء يا جارية. فرمت العود من يدها غضبًا وقالتْ: متى كنتم تحضرون السفهاء في مجالسكم؟ فندمتُ على ما كان مني، ورأيت القوم قد أنكروا عليَّ، فقلت: قد فاتني جميع ما أملت ولم أَرَ حيلةً لدفع اللوم عني، إلا أنني طلبت عودًا وقلت: أنا أبيِّنُ ما فاتها من الطريقة التي ضربَتْ بها. فقال القوم: سمعًا وطاعة. ثم أحضروا لي عودًا، فأصلحتُ منه الأوتار وغنَّيْتُ بهذه الأشعار:
فوثبَتِ الجارية وانكَبَّتْ على رجلي تقبِّلها وقالت: المعذرة إليك يا سيدي، والله ما علمتُ بمكانك ولا سمعتُ بمثل هذه الصناعة. ثم أخذ القوم في إكرامي وتبجيلي بعدما طربوا غايةَ الطرب، وسألني كلٌّ منهم الغناء، فغنَّيْتُ نوبة مطربة، فصار القوم سكارى وذهبت عقولهم، فحُمِلوا إلى منازلهم وبقي صاحب المنزل هو والجارية، فشرب معي أقداحًا ثم قال: يا سيدي، ذهب عمري مجانًا حيث لم أعرف مثلك قبل ذلك الوقت، فبالله يا سيدي مَن أنت حتى أعرف نديمي الذي مَنَّ الله عليَّ به في هذه الليلة؟ فأخذت أوري ولم أصرِّح له باسمي، وهو يقسم عليَّ فأعلمْتُه، فلما عرف اسمي وثب قائمًا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.