فلما كانت الليلة ٣٤٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن إبراهيم بن المهدي قال: فلما عرف اسمي صاحب الدار وثب قائمًا على قدمَيْه وقال: عجبتُ من أن يكون هذا الفضل إلا لمثلك، ولقد أهدى الزمان إليَّ يدًا لا أقوم بشكرها، ولعل هذا منام وإلا فمتى طمعتُ أن تزورني الخلافة في منزلي وتنادمني ليلتي هذه؟ فأقسمت عليه أن يجلس فجلس وأخذ يسألني عن السبب في حضوري عنده بألطف معنى، فأخبرته بالقصة من أولها إلى آخرها وما سترت منها شيئًا، وقلت: أمَّا الطعام فقد نلتُ منه بغيتي، وأما الكف والمعصم فلم أنَلْ مرادي منهما. فقال: والكف والمعصم تنال مرادك منهما إن شاء الله تعالى. ثم قال: يا فلانة، قولي لفلانة أن تنزل. ثم جعل يستدعي جواريه واحدة بعد واحدة، ويعرض الجميع عليَّ وأنا لا أرى صاحبتي إلى أن قال: والله يا سيدي ما بقي إلا أمي وأختي، ولكن والله لا بد من إنزالهما إليك وعرضهما عليك حتى تراهما. فعجبت من كرمه وسعة صدره، فقلت: جُعِلْتُ فداك فأبدا بالأخت. قال: حبًّا وكرامة. ثم نزلت أخته فأراني يدها، فإذا هي صاحبة الكف والمعصم اللذين رأيتهما، فقلت: جُعِلت فداك، هذه الجارية هي التي رأيتُ كفَّها ومعصمها. فأمر الغلمان أن يحضروا الشهودَ في الوقت والساعة، فأحضروا الشهود ثم أحضر بدرتين من الذهب وقال للشهود: هذا مولانا سيدي إبراهيم بن المهدي عم أمير المؤمنين، خطب أختي فلانة وأشهدكم أني قد زوَّجتُها له وقد أمهرها ببدرة. ثم قال: زوَّجْتُك أختي فلانة على المهر المسمَّى. فقلت: قبلتُ ذلك ورضيتُه. ثم دفع إحدى البدرتين إلى أخته، والأخرى إلى الشهود، ثم قال: يا مولانا، أريد أن أمهِّد لك بعض البيوت لتنام مع أهلك. فأحشمني ما رأيتُ من كرمه، واستحيت أن أخلو بها في داره، فقلت له: جهَّزْها إلى منزلي. فوحقِّكَ يا أمير المؤمنين لقد حمل إليَّ من الجهاز ما ضاقت عنه بيوتنا مع سعتها، ثم أولدتها هذا الغلام القائم بين يدَيْك. فتعجَّبَ المأمون من كرم هذا الرجل وقال: لله دره، ما سمعتُ قطُّ بمثله! وأمر إبراهيم بن المهدي بإحضار الرجل ليشاهده، فأحضره بين يديه واستنطقه، فأعجبه ظرفه وأدبه، فصيَّرَه من جملة خواصه، والله هو المعطي الوهَّاب.
حكايات الصدقة
ومما يُحكَى أن ملكًا من الملوك قال لأهل مملكته: لئن تصدَّق أحد منكم بشيء لأقطعن يده. فأسكت الناس جميعًا عن الصدقة، ولم يقدر أحد أن يتصدَّق على أحدٍ، فاتفق أن سائلًا جاء إلى امرأة يومًا من الأيام، وقد أضرَّ به الجوع وقال لها: تصدَّقِي عليَّ بشيء. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.