فلما كانت الليلة ٣١٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن علي شار قال في نفسه: هذا رجل ذمي، وقصدني في شربة ماء، فوالله لا أخيبه. ثم دخل البيت وأخذ كوز ماء، فرأته جاريته زمرد، فقالت له: يا حبيبي، هل بعت الستر؟ قال: نعم. قالت: لتاجر أم لعابر سبيل، فقد حس قلبي بالفراق؟ قال: ما بعته إلا لتاجر. قالت: أخبرني بحقيقة الأمر حتى أتدارك شأني، وما بالك أخذت كوز الماء؟ قال: لأسقي الدلَّال. فقالت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم أنشدت هذين البيتين:
ثم خرج بالكوز فوجد النصراني داخلًا في دهليز البيت، فقال له: هل وصلت إلى هنا يا كلب؟ كيف تدخل منزلي بغير إذني؟ فقال: يا سيدي، لا فرق بين الباب والدهليز، وما بقيت أنتقل من مكاني هذا إلا للخروج، وأنت لك الفضل والإحسان، والجود والامتنان. ثم إنه تناول كوز الماء وشرب ما فيه، وبعد ذلك ناوله إلى علي شار، فأخذه وانتظره أن يقوم فما قام، فقال له: لأي شيء لم تقم وتذهب إلى حال سبيلك؟ فقال: يا مولاي، لا تكن ممَّن فعل الجميل ومَنَّ به، ولا من الذين قال فيهم الشاعر:
ثم قال: يا مولاي، إني قد شربت ولكن أريد منك أن تطعمني مهما كان من البيت، سواء كان كسرة أو قرقوشة وبصلة. فقال له: قم بلا مماحكة، ما في البيت شيء. فقال: يا مولاي، إن لم يكن في البيت شيء فخذ هذه المائة دينار، وَأْتِنا بشيء من السوق، ولو برغيف واحد؛ ليصير بيني وبينك خبز وملح. فقال علي شار في سره: إن هذا النصراني مجنون، فأنا آخذ منه المائة دينار وأجيء له بشيء يساوي درهمين، وأضحك عليه. فقال له النصراني: يا سيدي، إنما أريد شيئًا يطرد الجوع، ولو رغيفًا واحدًا يابسًا وبصلة، فخير الزاد ما دفع الجوع لا الطعام الفاخر، وما أحسن قول الشاعر:
فقال له علي شار: اصبر هنا حتى أقفل القاعة وآتيك بشيء من السوق. فقال له: سمعًا وطاعة. ثم خرج وقفل القاعة، وحطَّ على الباب كيلونًا وأخذ المفتاح معه وذهب إلى السوق، واشترى جبنًا مقليًّا، وعسلًا أبيض، وموزًا وخبزًا، وأتى به إليه، فلما نظر النصراني إلى ذلك قال: يا مولاي، هذا شيء كثير يكفي عشرة رجال وأنا وحدي، فلعلك تأكل معي. فقال له: كُل وحدك فإني شبعان. فقال له: يا مولاي، قالت الحكماء: مَن لم يأكل مع ضيفه فهو ولد زِنا. فلما سمع علي شار من النصراني هذا الكلام جلس وأكل معه شيئًا قليلًا، وأراد أن يرفع يده … وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.