فلما كانت الليلة ٣٥٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أبا حسان الزيادي قال: أحضرت المعاملين وقضيتُ ما كان عليَّ من الدَّيْن، وأنفقت واتسعت وقلت في نفسي: إلى أن يرجع يفتح الله علينا بشيء من عنده. فلما كان بعد يوم دخل الغلام عليَّ وقال لي: إن صاحبك الخراساني بالباب. فقلت: ائذن له. فدخل ثم قال: إني كنتُ عازمًا على الحج، فجاءني خبرٌ بوفاة والدي، وقد عزمتُ على الرجوع فأعطني المالَ الذي أودعتُكَ إياه بالأمس. فلما سمعتُ منه هذا الكلام، حصل لي همٌّ عظيم لم يحصل لأحد مثله قط، وتحيَّرْتُ فلم أرد جوابًا، فإن جحدته استحلفني وكانت الفضيحة في الآخرة، وإن أخبرته بالتصرُّف فيه صاح وهتكني، فقلت له: عافاكَ الله، إن منزلي هذا ليس بحصين ولا حرز لذلك المال، وإني لما أخذتُ جرابك أرسلته إلى مَن هو عنده الآن، فعُدْ علينا في الغد لتأخذه إن شاء الله تعالى. فانصرف عني وبتُّ متحيِّرًا من أجل رجوع الخراساني إليَّ، فلم يأخذني نوم في تلك الليلة ولم أقدر على غمض عيني، فقمت للغلام وقلت له: أسرِجْ لي البغلة. قال: يا مولاي، إن هذا الوقت عتمة، ولم يمضِ من الليل شيء. فرجعتُ إلى فراشي فإذا النون ممتنع، فلم أزل أوقِظُ الغلام وهو يردُّني حتى طلع الفجر، فأسرج لي البغلة، فركبت وأنا لا أدري أين أذهب، فطرحت عنان على عاتقها وصرت مشغولًا بالفكر والهموم، وهي تسير إلى الجانب الشرقي من بغداد.
فبينما أنا سائر وإذا أنا بقوم قد رأيتهم، فانحرفت عنهم وعدلت عن طريقهم إلى طريق أخرى فتبعوني، فلما رأوني بطيلسان تبادروا إليَّ وقالوا لي: أتعرف منزل أبي حسان الزيادي؟ فقلتُ لهم: هو أنا. قالوا: أَجِبْ أميرَ المؤمنين. فسِرْتُ معهم حتى دخلت على المأمون، فقال لي: مَن أنت؟ قلت: رجل من أصحاب القاضي أبي يوسف، من الفقهاء وأصحاب الحديث. فقال: بأي شيء تُكنَّى؟ قلت: بأبي حسان الزيادي. قال: اشرح لي قصتك. فشرحتُ له خبري، فبكى بكاءً شديدًا وقال: ويحك، ما تركني رسول الله ﷺ أنام في هذه الليلة بسببك. فإني لما نمتُ أول الليل قال لي: أغِثْ أبا حسان الزيادي. فانتبهتُ ولم أعرفك، ثم نمتُ فأتاني وقال لي: ويحك! أغِثْ أبا حسان الزيادي. فانتبهتُ ولم أعرفك، ثم نمت فأتاني وقال لي: ويحك! أغث أبا حسان الزيادي. فما تجاسرتُ على النوم بعد ذلك، وسهرت الليل كله وقد أيقظت الناس وأرسلتهم في طلبك من كل جانب. ثم أعطاني عشرة آلاف درهم وقال: هذه للخراساني. ثم أعطاني عشرة آلاف درهم وقال: اتسع بهذه وأصلح بها أمرك. ثم أعطاني ثلاثين ألف درهم وقال: جهِّزْ نفسك بهذه، وإذا كان يوم الموكب فَائْتِني حتى أقلِّدَك عملًا. فخرجت والمال معي، فجئتُ إلى منزلي فصليتُ فيه الغداة، وإذا بالخراساني قد حضر. فأدخلتُه البيتَ وأخرجتُ له بدرة وقلت له: هذا مالك. قال: ليس هذا عين مالي. فقلت: نعم. فقال: ما سبب هذا؟ فقصصتُ عليه القصة، فبكى وقال: والله لو أصدَقْتَني من أول الأمر ما طالبتُكَ، وأنا الآن والله لا أقبل شيئًا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.