فلما كانت الليلة ٣٥١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الخراساني قال للزيادي: والله لو أصدقتني من أول الأمر ما طالبتك، وأنا الآن والله لا أقبل شيئًا من هذا المال، وأنت في حلٍّ منه. وانصرف من عندي، ثم أصلحت أمري وذهبت في يوم الموكب إلى باب المأمون، فدخلت عليه وهو جالس، فلما مَثُلتُ بين يدَيْه استدناني وأخرج لي عهدًا من تحت مصلاه وقال: هذا عهد بقضاء المدينة الشريفة من الجانب الغربي من باب السلام إلى ما لا نهايةَ له، وقد أجريتُ لك كذا وكذا في كل شهر. فاتقِّ الله عزَّ وجل وحافِظْ على عناية رسول الله ﷺ بك. فتعجَّبَ الناس من كلامه وسألوني عن معناه، فأخبرتهم بالقصة من أولها إلى آخرها، فشاع الخبر بين الناس، وما زال أبو حسان الزيادي قاضيًا في المدينة الشريفة إلى أن مات في أيام المأمون، رحمة الله عليه.
حكاية الصديق عند الضيق
ومما يُحكَى أن رجلًا كان ذا مال كثير، ففقد منه وصار لا يملك شيئًا، فأشارت عليه زوجته أن يقصد بعض أصدقائه فيما يُصلِح به حاله، فقصد صديقًا له وذكر له ضرورته له، فأقرضه خمسمائة دينار على أنه يتجر فيها، وكان في ابتداء حاله جوهريًّا، فأخذ الذهب ومضى إلى سوق الجواهر وفتح دكانه ليشتري ويبيع، فلما قعد في الدكان أتاه ثلاثة رجال وسألوه عن والده، فذكر لهم وفاته، فقالوا له: هل خلف أحدًا من الذرية؟ قال: خلف العبد الذي بين أيديكم. قالوا: مَن يعرف أنك ولده؟ قال: أهل السوق. فقالوا له: اجمعهم حتى يشهدوا أنك ولده. فجمعهم وشهدوا بذلك، فأخرج الثلاثة رجال خُرْجًا فيه مقدار ثلاثين ألف دينار، وفيه جواهر ومعادن ثمينة، وقالوا: هذا كان عندنا أمانة لأبيك. ثم انصرفوا، فأتته امرأة وطلبت منه شيئًا من ذلك الجوهر يساوي خمسمائة دينار، فاشترته منه بثلاثة آلاف دينار فباعه لها، ثم قام وأخذ الخمسمائة دينار التي كان اقترضها من صديقه وحملها إليه وقال له: خذ الخمسمائة دينار التي اقترضتُها منك، فقد فتح الله عليَّ ويسَّرَ لي. فقال له صديقه: إني أعطيتك إياها وخرجت عنها لله، فخذها وخذ هذه الورقة ولا تقرأها إلا وأنت في دارك، واعمل بما فيها. فأخذ المال والورقة وذهب إلى بيته، فلما فتحها وجد مكتوبًا فيها هذه الأبيات:
حكاية إفلاس رجل من بغداد
ومما يُحكَى أنَّ رجلًا من بغداد كان صاحب نعمة وافرة ومال كثير، فنفد ماله وتغيَّرَ حاله وصار لا يملك شيئًا، ولا ينال قُوتَه إلا بجهد جهيد، فنام ذات ليلة وهو مغمور مقهور، فرأى في منامه قائلًا يقول له: إن رزقك بمصر فاتبعه وتوجَّهْ إليه. فسافَرَ إلى مصر، فلما وصل إليها أدركه المساء فنام في مسجد، وكان بجوار المسجد بيت، فقدَّرَ الله تعالى أن جماعة من اللصوص دخلوا المسجد وتوصَّلوا منه إلى ذلك البيت، فانتبه أهل البيت على حركة اللصوص وقاموا بالصياح، فأغاثهم الوالي بأتباعه فهرب اللصوص، ودخل الوالي المسجد فوجد الرجل البغدادي نائمًا في المسجد، فقبض عليه وضربه بالمقارع ضربًا مؤلمًا حتى أشرف على الهلاك وسجنه، فمكث ثلاثة أيام في السجن، ثم أحضره الوالي وقال له: من أي البلاد أنت؟ قال: من بغداد. قال له: وما حاجتك التي هي سبب في مجيئك إلى مصر؟ قال: إني رأيت في منامي قائلًا يقول لي: إن رزقك بمصر فتوجَّهْ إليه. فلما جئتُ إلى مصر وجدتُ الرزقَ الذي أخبرني به؛ تلك المقارع التي نلتُها منك. فضحك الوالي حتى بدت نواجذه وقال له: يا قليل العقل، أنا رأيتُ ثلاثَ مرات في منامي قائلًا يقول لي: إن بيتًا في بغداد بخط كذا ووصفه كذا، بحوشه جنينة تحتها فسقية بها مال له جرم عظيم، فتوجَّهْ إليه وخذه، فلم أتوجَّهْ، وأنت من قلة عقلك سافرتَ من بلدة إلى بلدة من أجل رؤيا رأيتَها وهي أضغاث أحلام. ثم أعطاه دراهم وقال له: استعِنْ بها على عودك إلى بلدك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.