فلما كانت الليلة ٣٥٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوالي أعطى البغدادي دراهم وقال له: استعِنْ بها على عودك إلى بلدك. فأخذها وعاد إلى بغداد، وكان البيت الذي وصفه الوالي ببغداد هو بيت ذلك الرجل، فلما وصل إلى منزله حفر تحت الفسقية، فرأى مالًا كثيرًا ووسَّعَ الله عليه رزقَه، وهذا اتفاق عجيب.
حكاية المتوكِّل ومحبوبة
ومما يُحكَى أنه كان في قصر أمير المؤمنين المتوكِّل على الله أربعة آلاف سرية؛ مائتان روميات، ومائتان مولدات وحبش، وقد أهدى عبيد بن طاهر إلى المتوكل أربعمائة جارية؛ مائتان بيض، ومئتان حبش ومولدات، وكان من جملة ذلك جاريةٌ من مولدات البصرة يقال لها محبوبة، وكانت فائقة في الحُسْن والجمال والظرف والدلال، وكانت تضرب بالعود وتُحسِن الغناء وتنظم الشعر وتكتب خطًّا جيدًا، فافتتن بها المتوكل وكان لا يصبر عنها ساعة واحدة، فلما رأت ميله إليها تكبَّرَتْ عليه وبطرت النعمة، فغضب عليها غضبًا شديدًا وهجرها، ومنع أهل القصر من كلامها، فمكثت على ذلك أيامًا، وكان المتوكل له ميل إليها، فأصبح ذات يوم وقال لجلسائه: إني رأيت في هذه الليلة في منامي كأني صالَحْتُ محبوبة. فقالوا له: نرجو من الله تعالى أن يكون ذلك يقظة. فبينما هو في الكلام وإذا بخادمة قد أقبلت وأسَرَّتْ إلى المتوكل حديثًا، فقام من المجلس ودخل دار الحريم. وكان الذي أسَرَّتْه إليه أنها قالت له: سمعنا من حجرة محبوبة غناءً وضربًا بالعود، وما ندري سبب ذلك. فلما وصل إلى حجرتها سمعها تغني على العود، وتُحسِن الضربات وتنشد هذه الأبيات:
فلما سمع المتوكل كلامها، تعجَّبَ من هذه الأبيات ومن هذا الاتفاق الغريب؛ حيث رأت محبوبة منامًا موافِقًا لمنامه، فدخل عليها في الحجرة، فلما دخل حجرتها وأحَسَّتْ به، بادرت بالقيام إليه وانكَبَّتْ على أقدامه وقبَّلَتْها وقالت: والله يا سيدي، لقد رأيتُ هذه الواقعة في منامي ليلةَ البارحة، فلما انتبهت من النوم نظمت هذه الأبيات. فقال لها المتوكل: والله إني رأيتُ منامًا مثل ذلك. ثم إنهما تعانَقَا واصطلحَا، وأقام عندها سبعة أيام بلياليها، وكانت محبوبة قد كتبت على خدها بالمسك اسم المتوكل، وكان اسمه جعفر، فلما رأى المتوكل اسمه مكتوبًا بأعلى خدِّها بالمسك، أنشد يقول:
ولما مات المتوكل، سلاه جميع مَن كان له من الجواري إلا محبوبة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.