فلما كانت الليلة ٣٥٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشاب قال: وقد صرف الله عنها تلك الحالة، وتعجَّبَتْ من ذلك، فأخبرتها بالقصة. واستمرت معه في أرغد عيش وأحسن لذة، واتخذت عندها العجوز مكان والدتها، وما زالت هي وزوجها والعجوز في هناء وسرور إلى أن أتاهم هادم اللذات، ومفرِّق الجماعات؛ فسبحان الحي الذي لا يموت، وبيده الملك والملكوت.
حكاية الفرس الطائر
ومما يُحكَى أنه كان في قديم الزمان ملك عظيم ذو خطر جسيم، وكان له ثلاث بنات مثل البدور السافرة، والرياض الزاهرة، وولد ذكر كأنه القمر. فبينما الملك جالس على كرسي مملكته يومًا من الأيام إذ دخل عليه ثلاثة من الحكماء، مع أحدهم طاوس من ذهب، ومع الثاني بوق من نحاس، ومع الثالث فرس من عاج وأبنوس، فقال لهم الملك: ما هذه الأشياء؟ وما منفعتها؟ فقال صاحب الطاوس: إن منفعة هذا الطاوس أنه كلما مضت ساعة من ليل أو نهار يصفِّق بأجنحته ويزعق. وقال صاحب البوق: إنه إذا وضع هذا البوق على باب المدينة يكون كالمحافظ عليها، فإذا دخل إلى تلك المدينة عدوٌّ، يزعق عليه هذا البوق فيُعرَف ويُمسَك باليد. وقال صاحب الفرس: يا مولاي، إن منفعة هذه الفرس أنه إذا ركبها إنسان فإنها توصله إلى أي بلاد أراد. فقال الملك: لا أنعم عليكم حتى أجرِّب منافع هذه الصور. ثم إنه جرَّب الطاوس فوجده كما قال صاحبه، وجرَّب البوق فوجده كما قال صاحبه، فقال الملك للحكيمين: تمنَّيَا عليَّ. فقالَا: نتمنَّى عليك أن تزوِّج كل واحد منَّا بنتًا من بناتك. فأنعم الملك عليهما ببنتين من بناته، ثم تقدَّم الحكيم الثالث صاحب الفرس، وقبَّل الأرض بين يدي الملك وقال له: يا ملك الزمان، أَنعِم عليَّ كما أنعمت على أصحابي. فقال له الملك: حتى أجرِّب ما أتيتَ به. فعند ذلك تقدَّمَ ابن الملك وقال: يا والدي، أنا أركب هذه الفرس وأجرِّبها وأختبر منفعتها. فقال الملك: يا ولدي، جرِّبها كما تحب. فقام ابن الملك وركب الفرس وحرَّك رجليه، فلم تتحرك من مكانها. فقال: يا حكيم، أين الذي ادَّعَيْتَه من سرعة سيرها؟ فعند ذلك جاء الحكيم إلى ابن الملك، وأراه لولب الصعود، وقال له: افرك هذا اللولب. ففركه ابن الملك، وإذا بالفرس قد تحرَّكَ، وطار بابن الملك إلى عنان السماء، ولم يزل طائرًا به حتى غاب عن الأعين، فعند ذلك احتار ابن الملك في أمره، وندم على ركوبه الفرس، ثم قال: إن الحكيم قد عمل حيلةً على هلاكي، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم إنه جعل يتأمل في جميع أعضاء الفرس، فبينما هو يتأمل فيها إذ نظر إلى شيءٍ مثل رأس الديك على كتف الفرس الأيمن، وكذلك الأيسر، فقال ابن الملك: ما أرى فيه أثرًا غير هذين الزِّرَّين. ففرك الزر الذي على الكتف الأيمن، فازدادت به الفرس سيرًا طالعة إلى الجو فتركه، ثم نظر إلى الكتف الأيسر فرأى ذلك الزرَّ ففركه، فتناقصت حركات الفرس من الصعود إلى الهبوط، ولم تزل هابطة به إلى الأرض قليلًا قليلًا، وهو محترس على نفسه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.