فلما كانت الليلة ٣٥٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن ابن الملك لما فرك الزر الأيسر تناقصت حركات الفرس من الصعود إلى الهبوط، ولم تزل هابطة به إلى الأرض قليلًا قليلًا، وهو محترس على نفسه، فلما نظر ابن الملك ذلك وعرف منافع الفرس، امتلأ قلبه فرحًا وسرورًا، وشكر الله تعالى على ما أنعَمَ به عليه حيث أنقذه من الهلاك، ولم يزل هابطًا طول نهاره؛ لأنه كان في حال صعوده بعدت عنه الأرض، وجعل يدوِّر وجه الفرس كما يريد وهي هابطة به، وإذا شاء نزل بها، وإذا شاء طلع بها. فلما تمَّ له من الفرس ما يريد، أقبل بها إلى جهة الأرض، وصار ينظر إلى ما فيها من البلاد والمدن التي لا يعرفها؛ لأنه لم يرها طول عمره، وكان من جملة ما رآه مدينة مبنية بأحسن البنيان، وهي في وسط أرض خضراء ناضرة ذات أشجار وأنهار، فتفكَّرَ في نفسه وقال: يا ليت شعري! ما اسم هذه المدينة؟ وفي أي الأقاليم هي؟ ثم إنه جعل يطوف حول تلك المدينة ويتأملها يمينًا وشمالًا، وكان النهار قد ولى، ودنت الشمس للمغيب، فقال في نفسه: إني لا أجد موضعًا للمبيت أحسن من هذه المدينة، فأنا أبيت فيها هذه الليلة، وعند الصباح أتوجه إلى أهلي ومحل ملكي، وأُعلِم أهلي ووالدي بما جرى لي، وأخبره بما نظرت عيناي. وصار يفتش على موضع يأمن فيه على نفسه وعلى فرسه، ولا يراه أحد.
فبينما هو كذلك، وإذا به قد نظر في وسط المدينة قصرًا شاهقًا في الهواء، وقد أحاط بذلك القصر سور متَّسِع بشرافات عاليات، فقال ابن الملك في نفسه: إن هذا الموضع مليح. وجعل يحرك الزر الذي يهبط به الفرس، ولم يزل هابطًا به حتى نزل مستويًا على سطح القصر، ثم نزل من فوق الفرس، وحمد الله تعالى، وجعل يدور حول الفرس ويتأمَّلها ويقول: والله إن الذي عملك بهذه الصفة لحكيم ماهر، فإنْ مدَّ الله تعالى في أجلي وردَّني إلى بلادي وأهلي سالِمًا، وجمع بيني وبين والدي؛ لَأُحسِننَّ إلى هذا الحكيم كل الإحسان، ولأنعِمنَّ عليه غاية الإنعام. ثم جلس فوق سطح القصر حتى علم أن الناس قد ناموا، وكان قد أضرَّ به الجوع والعطش؛ لأنه منذ فارق والده لم يأكل طعامًا، فقال في نفسه: إن مثل هذا القصر لا يخلو من الرزق. فترك الفرس في مكان ونزل يتمشى لينظر شيئًا يأكله، فوجد سُلَّمًا فنزل منه إلى أسفل، فوجد ساحة مفروشة بالرخام؛ فتعجَّبَ من ذلك المكان ومن حُسْن بنيانه، ولكنه لم يجد في ذلك القصر حسَّ حسيسٍ، ولا أُنْسَ أنيسٍ، فوقف متحيِّرًا وصار ينظر يمينًا وشمالًا وهو لا يعرف أين يتوجه، ثم قال في نفسه: ليس لي أحسن من أن أرجع إلى المكان الذي فيه فرسي وأبيت عندها، فإذا أصبح الصباح ركبتها وسرت. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.