فلما كانت الليلة ٣١٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن علي شار جلس وأكل معه شيئًا قليلًا، وأراد أن يرفع يده، فأخذ النصراني موزة وقشَّرها وشقَّها نصفين، وجعل في نصفها بنجًا مكررًا ممزوجًا بأفيون، الدرهم منه يرمي الفيل، ثم غمس نصف الموزة في العسل وقال له: يا مولاي، وحق دينك أن تأخذ هذه. فاستحى علي شار أن يحنثه في يمينه، فأخذها منه وابتلعها، فما استقرت في بطنه حتى سبقت رأسه رجلَيْه، وصار كأنه له سنة وهو راقد. فلما رأى النصراني ذلك قام على قدميه كأنه ذئب أمعط مسلَّط، وأخذ منه مفتاح القاعة وتركه مرميًّا، وذهب يجري إلى أخيه وأخبره بالخبر، وسببُ ذلك أن أخا النصراني هو الشيخ الهرم الذي أراد أن يشتريها بألف دينار فلم ترضَ به وهجته بالشعر، وكان كافرًا في الباطن ومسلمًا في الظاهر، وسمَّى نفسه رشيد الدين، ولما هجته ولم ترضَ به شكا إلى أخيه النصراني الذي تحيَّلَ في أخذها من سيدها علي شار، وكان اسمه برسوم، فقال له: لا تحزن من هذا الأمر، فأنا أتحيَّل لك في أخذها بلا درهم ولا دينار. لأنه كان كاهنًا ماكرًا مخادعًا فاجرًا، ثم إنه لم يزل يمكر ويتحيل حتى عمل الحيلة التي ذكرناها، وأخذ المفتاح وذهب إلى أخيه وأخبره بما حصل، فركب بغلته وأخذ غلمانه، وتوجه مع أخيه إلى بيت علي شار، وأخذ معه كيسًا فيه ألف دينار، إذا صادفه الوالي فيعطيه إياه، ففتح القاعة وهجمت الرجال الذين معه على زمرد وأخذوها قهرًا، وهدَّدوها بالقتل إنْ تكلمت، وتركوا المنزل على حاله ولم يأخذوا منه شيئًا، وتركوا علي شار راقدًا في الدهليز، ثم ردُّوا الباب عليه، وتركوا مفتاح القاعة في جانبه، ومضى بها النصراني إلى قصره، ووضعها بين جواريه وسراريه، وقال لها: يا فاجرة، أنا الشيخ الذي ما رضيتِ بي وهجوتني، وقد أخذتك بلا درهم ولا دينار. فقالت له وقد ترغرغت عيناها بالدموع: حسبك الله يا شيخ السوء، حيث فرَّقْتَ بيني وبين سيدي. فقال لها: يا فاجرة يا عشاقة، سوف تنظرين ما أفعل بك من العذاب، وحق المسيح والعذراء إن لم تطاوعيني وتدخلي في ديني لَأعذِّبَنَّكِ بأنواع العذاب. فقالت له: والله لو قطعتَ لحمي قطعًا ما أفارق دين الإسلام، ولعل الله تعالى يأتي بالفرج القريب، إنه على ما يشاء قدير، وقد قالت العقلاء: مصيبة في الأبدان، ولا مصيبة في الأديان. فعند ذلك صاح على الخدم والجواري، وقال لهم: اطرحوها. فطرحوها، وما زال يضربها ضربًا عنيفًا، وصارت تستغيث فلا تُغاث، ثم أعرضت عن الاستغاثة، وصارت تقول: حسبي الله وكفى. إلى أن انقطع نفسها وخفي أنينها، فلما اشتفى قلبه منها قال للخدم: اسحبوها من رجليها، وارموها في المطبخ، ولا تطعموها شيئًا. ثم بات الملعون تلك الليلة، ولما أصبح الصباح طلبها وكرَّر عليها الضرب، وأمر الخدم أن يرموها في مكانها ففعلوا، فلما برد عليها الضرب قالت: لا إله إلا الله محمد رسول الله، حسبي الله ونعم الوكيل. ثم استغاثت بسيدنا محمد ﷺ. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.