فلما كانت الليلة ٣٥٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن ابن الملك قال في نفسه: ليس لي أحسن من البيات عند فرسي، فإذا أصبح الصباح ركبتها وسرت. فبينما هو واقف يحدِّث نفسه بهذا الكلام إذ نظر إلى نورٍ مقبل إلى ذلك المحل الذي هو فيه، فتأمَّلَ ذلك النور فوجده مع جماعة من الجواري، وبينهن صبية بهية، بقامة ألفية، تحاكي البدر الزاهر، كما قال فيها الشاعر:
وكانت تلك الصبية بنت ملك هذه المدينة، وكان أبوها يحبها حبًّا شديدًا، ومن محبته إياها بنى لها هذا القصر، فكانت كلما ضاق صدرها تجيء إليه وجواريها وتقيم فيه يومًا أو يومين أو أكثر، ثم تعود إلى سرايتها؛ فاتفق أنها قد أتت تلك الليلة من أجل الفرجة والانشراح، وصارت ماشية بين الجواري، ومعها خادم مقلَّد بسيف، فلما دخلوا ذلك القصر فرشوا الفرش، وأطلقوا مجامر البخور، ولعبوا وانشرحوا. فبينما هم في لعب وانشراح، إذ هجم ابن الملك على ذلك الخادم، ولطمه لطمة فبطحه، وأخذ السيف من يده وهجم على الجواري اللاتي مع ابنة الملك، فشتَّتهنَّ يمينًا وشمالًا، فلما نظرت ابنة الملك إلى حسنه وجماله قالت: لعلك أنت الذي خطبتني من والدي بالأمس وردَّك وزعم أنك قبيح المنظر، والله لقد كذب أبي حيث قال ذلك الكلام، فما أنت إلا مليح. وكان ابن ملك الهند قد خطبها من أبيها فردَّه؛ لأنه كان بشع المنظر، فظنت أنه هو الذي خطبها، ثم أقبلت عليه وعانقته وقبَّلته ورقدت هي وإياه، فقالت لها الجواري: يا سيدتي، هذا ما هو الذي خطبك من أبيك؛ لأن ذاك قبيح وهذا مليح، وما يصلح الذي خطبك من أبيك وردَّه أن يكون خادمًا لهذا، ولكن يا سيدتي إن هذا الفتى له شأن عظيم. ثم توجهت الجواري إلى الخادم المبطوح وأيقظنه، فوثب مرعوبًا وفتَّش على سيفه فلم يجده بيده، فقالت له الجواري: إن الذي أخذ سيفك وبطحك جالس مع ابنة الملك. وكان ذلك الخادم قد وكَّله الملك بالمحافظة على ابنته خوفًا عليها من نوائب الزمان وطوارق الحدثان؛ فقام ذلك الخادم وتوجَّه إلى الستر ورفعه، فرأى ابنة الملك جالسة مع ابن الملك وهما يتحدثان، فلما نظرهما الخادم قال لابن الملك: يا سيدي، هل أنت إنسي أم جني؟ فقال له ابن الملك: ويلك يا أنحس العبيد! كيف تجعل أولاد الملوك الأكاسرة من الشياطين الكافرة؟ ثم إنه أخذ السيف بيده وقال له: أنا صهر الملك، وقد زوَّجني بابنته، وأمرني بالدخول عليها.
فلما سمع الخادم منه ذلك الكلام قال له: يا سيدي، إن كنتَ من الإنس كما زعمت، فإنها ما تصلح إلا لك، وأنت أحقُّ بها من غيرك. ثم إن الخادم توجه إلى الملك وهو صارخ، وقد شقَّ ثيابه، وحثا التراب على رأسه، فلما سمع الملك صياحه قال له: ما الذي دهاك؟ فقد أرجفتَ فؤادي، أخبرني بسرعة وأوجز في الكلام. فقال له: أيها الملك أدرك ابنتك؛ فإنها قد استولى عليها شيطان من الجن في زيِّ الإنس، مُصوَّر بصورة أولاد الملوك، فدونك وإياه. فلما سمع الملك منه ذلك الكلام همَّ بقتله، وقال له: كيف تغافلت عن ابنتي حتى لحقها هذا العارض؟ ثم إن الملك توجَّه إلى القصر الذي فيه ابنته، فلما وصل إليه وجد الجواري قائمات، فقال لهن: ما الذي جرى لابنتي؟ فقلن له: أيها الملك، بينما نحن جالسات معها فلم نشعر إلا وقد هجم علينا هذا الغلام الذي كأنه بدر التمام، ولم نَرَ قطُّ أحسنَ منه وجهًا، وبيده سيف مسلول، فسألناه عن حاله فزعم أنك قد زوَّجْتَه ابنتك، ونحن لا نعلم شيئًا غير هذا، ولا نعرف هل هو إنسي أم جني، ولكنه عفيف أديب لا يتعاطى القبيح. فلما سمع الملك مقالتهن برد ما به، ثم إنه رفع الستر قليلًا قليلًا ونظر، فرأى ابن الملك جالسًا مع ابنته يتحدثان، وهو في أحسن التصوير، ووجهه كالبدر المنير؛ فلم يقدر الملك أن يمسك نفسه من غيرته على ابنته، فرفع الستر ودخل وبيده سيف مسلول، وهجم عليهما كأنه الغول، فلما نظره ابن الملك قال لها: أهذا أبوكِ؟ قالت: نعم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.