فلما كانت الليلة ٣٦١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن ابن الملك قال له: إذا كان طلوع النهار فأخرجهم إليَّ، وقل لهم: هذا قد خطب مني ابنتي على شرط أن يبارزكم جميعًا، وادَّعى أنه يغلبكم ويقهركم، وأنكم لا تقدرون عليه. ثم اتركني معهم أبارزهم، فإذا قتلوني فذلك أخفى لسرك وأصوَنُ لعرضك، وإن غلبتهم وقهرتهم فمثلي يرغب الملك في مصاهرته. فلما سمع الملك كلامه استحسن رأيه، وقِبَل رأيه مع ما استعظمه من قوله، وما أهاله من أمره في عزمه على مبارزة جميع عسكره الذين وصفهم له، ثم جلسا يتحدثان، وبعد ذلك دعا الملك بالخادم وأمره أن يخرج من وقته وساعته إلى وزيره، ويأمره أن يجمع العساكر، ويأمرهم بحمل أسلحتهم، وأن يركبوا خيولهم؛ فسار الخادم إلى الوزير وأعلمه بما أمره به الملك، فعند ذلك طلب الوزير نُقباء الجيش وأكابر الدولة، وأمرهم أن يركبوا خيولهم، ويخرجوا لابسين آلات الحرب.
هذا ما كان من أمرهم، وأما ما كان من أمر الملك، فإنه ما زال يتحدث مع الغلام حيث أعجبه حديثه وعقله وأدبه. فبينما هما يتحدثان وإذا بالصباح قد أصبح، فقام الملك وتوجَّه إلى تخته، وأمر جيشه بالركوب، وقدَّم لابن الملك فرسًا جيدًا من خيار خيله، وأمر أن تُسرَج له بعدَّة حَسَنة، فقال له: أيها الملك، إني ما أركب حتى أشرف على الجيش وأشاهدهم. فقال له الملك: الأمر كما تحب. ثم سار الملك والفتى بين يديه حتى وصلا إلى الميدان، فنظر الغلام إلى الجيش وكثرته ثم نادى الملك: يا معاشر الناس، إنه قد وصل إليَّ غلام يخطب ابنتي، ولم أَرَ قطُّ أحسنَ منه ولا أشدَّ قلبًا ولا أعظمَ بأسًا منه، وقد زعم أنه يغلبكم ويقهركم وحده، ويدَّعي أنكم ولو بلغتم مائة ألف ما أنتم عنده إلا قليل، فإذا بارزكم فخذوه على أسنة رماحكم وأطراف صفاحكم، فإنه قد تعاطى أمرًا عظيمًا. ثم إن الملك قال له: يا ابني، دونك وما تريد منهم. فقال له: أيها الملك، إنك ما أنصفتني، كيف أبارزهم وأنا مترجِّل وأصحابك ركَّاب خيل؟ فقال له: قد أمرتك بالركوب فأبيتَ، فدونك والخيل فاخْتَرَ منها ما تريد. فقال له: لا يعجبني شيء من خيلك، ولا أركب إلا الفرس التي جئتُ راكبًا عليها. فقال له الملك: وأين فرسك؟ فقال له: هي فوق قصرك. فقال له: في أي موضع في قصري؟ فقال: على سطح القصر. فلما سمع كلامه قال له: هذا أول ما ظهر من خبالك، يا ويلك! كيف تكون الفرس فوق السطح؟ ولكن في هذا الوقت يظهر صدقك من كذبك. ثم إن الملك التفت إلى بعض خواصه وقال له: امضِ إلى قصري وأحضر الذي تجده فوق السطح. فصار الناس متعجبين من قول الفتى، ويقول بعضهم لبعض: كيف ينزل هذا الفرس من سلالم السطح؟ إن هذا شيء ما سمعنا بمثله. ثم إن الذي أرسله الملك إلى القصر صعد إلى أعلاه فرأى الفرس قائمًا، ولم يَرَ أحسنَ منه، فتقدَّمَ إليه وتأمَّله فوجده من الأبنوس والعاج، وكان بعض خواص الملك طلع معه أيضًا، فلما نظروا إلى الفرس تضاحكوا، وقالوا: وعلى مثل هذا الفرس يكون ما ذكره الفتى! فما نظنُّه إلا مجنونًا، ولكن سوف يظهر لنا أمره. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.